وَوِلَايَةُ الْأَبِ عَلَيْهِمْ تَامَّةٌ، وَهَلْ يُخْرِجُ الْجَدُّ عَنْ ابْنِ ابْنِهِ الْفَقِيرِ الصَّغِيرِ حَالَ عَدَمِ الْأَبِ أَوْ حَالَ كَوْنِهِ فَقِيرًا؟ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُخْرِجُ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ حَالَ عَدَمِ الْأَبِ كَوِلَايَةِ الْأَبِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ وِلَايَةَ الْجَدِّ لَيْسَتْ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ هِيَ قَاصِرَةٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ الْأَبِ؟ فَأَشْبَهَتْ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ، وَالْوَصِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ فَكَذَا الْجَدُّ.
وَأَمَّا الْكِبَارُ الْعُقَلَاءُ فَلَا يُخْرَجُ عَنْهُمْ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ بِأَنْ كَانُوا فُقَرَاءَ زَمْنَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ فِطْرَتُهُمْ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ مِمَّنْ تُمَوِّنُونَ» فَإِذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ يُمَوِّنُهُمْ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُمْ.
وَلَنَا أَنَّ أَحَدَ شَطْرَيْ السَّبَبِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ مُنْعَدِمٌ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ الْأَدَاءِ عَنْهُمْ لَا عَلَى الْوُجُوبِ.
وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَا فِي عِيَالِهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُخْرِجُ عَنْ الْحَمْلِ لِانْعِدَامِ كَمَالِ الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ صَدَقَةُ فِطْرِ زَوْجَتِهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مُؤْنَةُ الزَّوْجِ وَوِلَايَتُهُ فَوُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ.
(وَلَنَا) أَنَّ شَرْطَ تَمَامِ السَّبَبِ كَمَالُ الْوِلَايَةِ وَوِلَايَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ فَلَمْ يَتِمَّ السَّبَبُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ سِوَى الرَّقِيقِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ إمَّا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عُرِفَ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيمَا سِوَى الرَّقِيقِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، أَوْ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ عَنْ الرَّفَثِ وَمَعْنَى الطُّهْرَةِ لَا يَتَقَرَّرُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَلَا تَجِبُ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ جِنْسِ الْوَاجِبِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ أَمَّا جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ فَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ الْحِنْطَةِ صَاعٌ.
وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أُؤَدِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ بُرٍّ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَغِيرٍ الْعُذْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَذَكَرَ إمَامُ الْهُدَى الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ عَشْرَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَوَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَتِهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ بَلْ هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ فِعْلِهِ فَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَبِهِ نَقُولُ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ نِصْفَ صَاعٍ وَمَا زَادَ يَكُونُ تَطَوُّعًا عَلَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ مِنْ لَفْظِ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت أُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُرِّ فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» ، وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا كَالْحِنْطَةِ، وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ كَالشَّعِيرِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزِئُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَنَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مَعْلُولٌ بِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا نَذْكُرُ وَذِكْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِلتَّيْسِيرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الدَّقِيقَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَدُّوا قَبْلَ الْخُرُوجِ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدًّا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ دَقِيقٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: الدَّقِيقُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالدَّرَاهِمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الدَّقِيقِ، وَالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الزَّبِيبِ ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نِصْفُ صَاعٍ وَرَوَى الْحَسَنُ وَأَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرُ وَلِأَنَّ الزَّبِيبَ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْحِنْطَةِ فِي التَّغَذِّي بَلْ يَكُونُ أَنْقَصَ مِنْهَا كَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ فِيهِ بِالصَّاعِ كَمَا فِي الشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ قِيمَةَ الزَّبِيبِ تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ فِي الْعَادَةِ ثُمَّ اُكْتُفِيَ مِنْ الْحِنْطَةِ بِنِصْفِ صَاعٍ فَمِنْ الزَّبِيبِ أَوْلَى.
وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَاجِبُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ فِي عَصْرِ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَفِي عَصْرِهِمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا الْأَقِطُ