الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي مَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي آخِر الْحَوْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَوَسَطِهِ، حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَالِ التِّجَارَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ.
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ حَوَلَانَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَلَا نِصَابَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَوَلَانُ الْحَوْلِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ النِّصَابُ سَائِمَةً فَجَعَلَهَا عَلُوفَةً فِي وَسَطِ الْحَوْلِ بَطَلَ الْحَوْلُ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: تَرَكْتُ هَذَا الْقِيَاسَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ أَنَّ نِصَابَ التِّجَارَةِ يَكْمُلُ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ تَزْدَادُ وَتَنْتَقِصُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِتَغَيُّرِ السِّعْرِ لِكَثْرَةِ رَغْبَةِ النَّاسِ وَقِلَّتِهَا وَعِزَّةِ السِّلْعَةِ وَكَثْرَتِهَا، فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَقْوِيمُ مَالِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَاعْتُبِرَ الْكَمَالُ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ آخِرُ الْحَوْلِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ.
وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تُوجَدُ فِي السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ نِصَابَهَا لَا يَكْمُلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ.
وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَيُعْتَبَر وُجُودُهُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْحَوْلِ وَقْتُ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَآخِرَهُ وَقْتُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَأَمَّا وَسَطُ الْحَوْلِ فَلَيْسَ بِوَقْتِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَلَا وَقْتِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ كَمَالِ النِّصَابِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لِيَضُمَّ الْمُسْتَفَادَ إلَيْهِ، فَإِذَا هَلَكَ كُلُّهُ لَمْ يُتَصَوَّرُ الضَّمُّ فَيُسْتَأْنَفُ لَهُ الْحَوْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً فِي خِلَالِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهَا عَلُوفَةً فَقَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالَ الزَّكَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَتْ.
وَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا فِي أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ تَقْوِيمُ مَالِهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لِيَعْرِفَ بِهِ انْعِقَادَ الْحَوْلِ كَمَا، لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِيَعْرِفَ بِهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا مِقْدَارُ النِّصَابِ وَصِفَتُهُ، وَمِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي النِّصَابِ وَصِفَتُهُ فَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَمْوَالُ الزَّكَاةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا: الْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالثَّانِي: أَمْوَالُ التِّجَارَةِ وَهِيَ الْعُرُوض الْمُعَدَّةُ لِلتِّجَارَةِ، وَالثَّالِثُ: السَّوَائِمُ فَنُبَيِّنُ مِقْدَارَ النِّصَابِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَصِفَتَهُ وَمِقْدَارَ الْوَاجِبِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَصِفَتَهُ، وَمَنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ فِي السَّوَائِمِ وَالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ.
(فَصْلٌ) :
أَمَّا الْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَمَّا قَدْرُ النِّصَابِ فِيهِمَا فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِضَّةٌ مُفْرَدَةٌ أَوْ ذَهَبٌ مُفْرَدٌ أَوْ اجْتَمَعَ لَهُ الصِّنْفَانِ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِضَّةٌ مُفْرَدَةٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَزْنًا وَزْنَ سَبْعَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ذَكَرَ فِيهِ الْفِضَّةَ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ شَيْءٌ، وَفِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ» وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ فِي الدَّرَاهِمِ دُونَ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ اسْمٌ لِلْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرٍ مِنْ الْمَوْزُونِ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَوْزُونَةٍ مِنْ الدَّوَانِيقِ وَالْحَبَّاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَزْنُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، وَعَدَدُهَا مِائَتَانِ، أَوْ قِيمَتُهَا لِجَوْدَتِهَا وَصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا وَزْنَ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَالْمِائَتَانِ مِمَّا يُوزَنُ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِثْقَالًا؛ لِأَنَّهُ الْوَزْنُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لِلدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ بَعْضُهَا ثَقِيلًا مِثْقَالًا وَبَعْضُهَا خَفِيفًا طَيْرِيًّا فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ضَرْبِ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِسْلَامِ جَمَعُوا الدِّرْهَمَ الثَّقِيلَ وَالدِّرْهَمَ الْخَفِيفَ فَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ فَكَانَا دِرْهَمَيْنِ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ فَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ نَقَصَ النِّصَابُ عَنْ الْمِائَتَيْنِ نُقْصَانًا يَسِيرًا يَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَمَالِ النِّصَابِ فَلَا نَحْكُمُ بِكَمَالِهِ مَعَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ النِّصَابِ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا.
وَيُعْتَبَرُ فِي حَالِ الشَّرِكَةِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي السَّوَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا صِفَةُ هَذَا النِّصَابِ فَنَقُولُ: لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا النِّصَابِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى كَوْنِهِ فِضَّةً فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا سَوَاءٌ