عَلَيْهِ لِلسَّنَةِ الْأُولَى شَاتَانِ وَلِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ شَاةٌ.

وَلَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ هَلْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى إذَا سَقَطَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ.

وَقَالَ زُفَرُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نُقْصَانِ النِّصَابِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لِأَنَّ بِالدَّيْنِ يَنْعَدِمُ كَوْنُ الْمَالِ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَتَنْعَدِمُ صِفَةُ الْغِنَى فِي الْمَالِكِ فَكَانَ نَظِيرَ نُقْصَانِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَعِنْدَنَا نُقْصَانُ النِّصَابِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقْطَعُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَأَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي لَا مَطَالِبَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادَاتِ كَالنُّذُورِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَوُجُوبِ الْحَجِّ، وَنَحْوِهَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ بِالْأَدَاءِ وَالْإِثْمُ بِالتَّرْكِ فَأَمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَلَا يُحْبَسُ؟ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالُ الزَّكَاةِ وَغَيْرُهُ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ، وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَدُورِ السُّكْنَى فَإِنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ لَا وَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ: " يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْجِنْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالَ الزَّكَاةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَادِمٌ فَدَيْنُ الْمَهْرِ يُصْرَفُ إلَى الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْخَادِمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى الْخَادِمِ.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْجِنْس أَيْسَرُ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ عَيْنَ مَالِ الزَّكَاةِ مُسْتَحَقٌّ كَسَائِرِ الْحَوَائِجِ، وَمَالُ الزَّكَاةِ فَاضِلٌ عَنْهَا فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِ أَيْسَرُ وَأَنْظُرُ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ؛ وَلِهَذَا لَا يُصْرَفُ إلَى ثِيَابِ بَدَنِهِ وَقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ " أَرَأَيْتَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ؟ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلصَّدَقَةِ " وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ مَشْغُولٌ بِحَاجَةِ الدَّيْنِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَمِلْكُ الدَّارِ وَالْخَادِمِ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَخْذَ الصَّدَقَةِ فَكَانَ فَقِيرًا، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْفَقِيرِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَالسَّوَائِمِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ دُونَ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُؤَدِّيهَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ، وَزَكَاةُ السَّوَائِمِ يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ.

وَرُبَّمَا يُقَصِّرُونَ فِي الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ ضَنًّا بِمَا لَهُمْ فَكَانَ صَرْفُ الدَّيْنِ إلَى الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لِيَأْخُذَ السُّلْطَانُ زَكَاةَ السَّوَائِمِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ.

وَهَذَا أَيْضًا عِنْدَنَا.

وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّوَائِمِ حَتَّى إنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَلَهُ أَمْوَالُ التِّجَارَةِ وَإِبِلٌ سَائِمَةٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ يُصْرَفُ الْمَهْرُ إلَى الْإِبِلِ وَعِنْدَنَا يُصْرَفُ إلَى مَالِ التِّجَارَةِ لِمَا مَرَّ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ هَذَا إذَا حَضَرَ الْمُصَدِّقُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْمَالِ إنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى السَّائِمَةِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ هُمَا سَوَاءٌ لَا يُخْتَلَفُ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْمُصْدِقِ فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ السَّائِمَةِ دُونَ الدَّرَاهِمِ؛ فَلِهَذَا إذَا حَضَرَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَأَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ السَّائِمَةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ الزَّكَاةِ سِوَى السَّوَائِمِ فَإِنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَيْهَا وَلَا يُصْرَفُ إلَى أَمْوَالِ الْبِذْلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ لَهُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ السَّوَائِمِ فَإِنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى أَقَلِّهَا زَكَاةً حَتَّى يَجِبَ الْأَكْثَرُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ بِأَنْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَأَرْبَعُونَ شَاةً فَإِنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ دُونَ الْبَقَرِ حَتَّى يَجِبَ التَّبِيعُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ، وَهَذَا إذَا صُرِفَ الدَّيْنُ إلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ بِحَيْثُ لَا يَفْضُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فَأَمَّا إذَا اسْتَغْرَقَ أَحَدُهُمَا وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ صُرِفَ إلَى الْبَقَرِ لَا يَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَامْتَنَعَ وُجُوبُ شَاتَيْنِ.

وَلَوْ صُرِفَ إلَى الْبَقَرِ وَامْتَنَعَ وُجُوبُ التَّبِيعِ تَجِبُ الشَّاتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الْغَنَمِ يَبْقَى نِصَابُ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ كَامِلًا وَالتَّبِيعُ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ شَاتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَصْرِفَ الدَّيْنَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الشَّاةُ.

وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الزَّكَاةِ أَنَّ لِلْمُصْدِقِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْإِبِلِ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ فَلَا يَنْتَقِصُ النِّصَابُ بِأَخْذِهَا.

وَلَوْ صُرِفَ الدَّيْنُ إلَى الْإِبِلِ يَأْخُذُ الشَّاةَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَيَنْتَقِصُ النِّصَابُ فَكَانَ هَذَا أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثَلَاثُونَ بَقَرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015