طَهَارَتَهَا لَا تُنْتَقَضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَزُفَرَ تُنْتَقَضُ لِوُجُودِ الدُّخُولِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِ الْمُنَافِي لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَسْقُطُ، وَبِهِ يَحْتَجُّ أَبُو يُوسُفَ فِي جَانِبِ الدُّخُولِ، وَفِي جَانِبِ الْخُرُوجِ يَقُولُ كَمَا لَا ضَرُورَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْمُنَافِي قَبْلَ الدُّخُولِ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيَظْهَرُ حُكْمُ الْمُنَافِي، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ شَرْعًا أُقِيمَ مَقَامَ وَقْتِ الْأَدَاءِ فِعْلًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ وَقْتِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ حَقِيقَةً فَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ شَرْعًا، حَتَّى يُمْكِنُهُ شَغْلُ جَمِيعِ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ انْعَدَمَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ، وَمَشَايِخُنَا أَدَارُوا الْخِلَافَ عَلَى الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ فَقَالُوا: تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، أَوْ بِدُخُولِهِ لِتَيْسِيرِ الْحِفْظِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ لَا لِأَنَّ لِلْخُرُوجِ، أَوْ الدُّخُولِ تَأْثِيرًا فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَلَوْ تَوَضَّأَ صَاحِبُ الْعُذْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ لِصَلَاةِ الضُّحَى وَصَلَّى هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَزُفَرَ فَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الدُّخُولِ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةً وَقَعَتْ لِصَلَاةٍ مَقْصُودَةٍ فَتُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ إنَّمَا صَحَّتْ لِلظُّهْرِ لِحَاجَتِهِ إلَى تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَصِحُّ بِهَا أَدَاءُ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَالضُّحَى، وَالنَّفَلُ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ، ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَا الظُّهْرَ، وَصَلَاةً أُخْرَى فِي الْوَقْتِ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَّى، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا آخَرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِلْعَصْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ صَحَّتْ لِجَمِيعِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَتَبْقَى مَا بَقِيَ الْوَقْتُ، فَلَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ قِيَامِ الْأُولَى بَلْ كَانَتْ تَكْرَارًا لِلْأُولَى فَالْتَحَقَتْ الثَّانِيَةُ بِالْعَدَمِ فَتُنْتَقَضُ الْأَوْلَى بِخُرُوجِ الْوَقْتِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، حَتَّى يَشْتَغِلَ جَمِيعَ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ، وَالطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ عَدَمٌ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَإِنَّمَا تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ طَهَارَةُ الظُّهْرِ لَا طَهَارَةُ الْعَصْرِ.

وَلَوْ تَوَضَّأَتْ مُسْتَحَاضَةٌ وَدَمُهَا سَائِلٌ، أَوْ سَالَ بَعْدَ الْوُضُوءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَقْبِلَ، لِأَنَّ طَهَارَتَهَا تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لِمَا بَيَّنَّا فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهَا فَتُنْتَقَضُ صَلَاتُهَا، وَلَا تَبْنِي لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحْدِثَةً عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مِنْ حِينِ دُرُورِ الدَّمِّ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَوَضَّأَتْ، وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، وَخَرَجَ الْوَقْتُ، وَهِيَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ قَبْلَ سَيَلَانِ الدَّمِ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ تَوَضَّأَتْ، وَبَنَتْ، لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ لَاحِقٌ، وَلَيْسَ بِسَابِقٍ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهَا وَقْتَ حُصُولِهَا وَقَدْ حَصَلَ الْحَدَثُ لِلْحَالِ مُقْتَصِرًا غَيْرَ مُوجِبٍ ارْتِفَاعَ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَصْلِ، وَلَوْ تَوَضَّأَتْ، وَالدَّمُ سَائِلٌ، ثُمَّ انْقَطَعَ، ثُمَّ صَلَّتْ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، وَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ أُخْرَى ثُمَّ سَالَ الدَّمُ أَعَادَتْ الصَّلَاةَ الْأُولَى.

لِأَنَّ الدَّمَ لَمَّا انْقَطَعَ، وَلَمْ يَسِلْ، حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الطَّهَارَةُ طَهَارَةَ عُذْرٍ فِي حَقِّهَا لِانْعِدَامِ الْعُذْرِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِلَا طَهَارَةٍ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حُكْمُ صَاحِبِ الْعُذْرِ، وَأَمَّا حُكْمُ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ فَنَقُولُ إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَجِبُ غَسْلُهُ إذَا كَانَ الْغَسْلُ مُفِيدًا بِأَنْ كَانَ لَا يُصِيبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَغْسِلْ، وَصَلَّى لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لَا يَجِبُ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ يَقُولُ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَنَجَاسَةُ الثَّوْبِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهَا عَفْوٌ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ.

(وَأَمَّا) الْحَدَثُ الْحُكْمِيُّ فَنَوْعَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَنْ يُوجَدَ أَمْرٌ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِ النَّجَسِ الْحَقِيقِيِّ غَالِبًا فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا، وَالثَّانِي أَنْ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ جُعِلَ حَدَثًا شَرْعًا تَعَبُّدًا مَحْضًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِشَهْوَةٍ، وَيَنْتَشِرَ لَهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ، وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ حَدَثًا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ حَدَثًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَلْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015