يَدْخُلُ قَدْرُ الدِّيَةِ لَا غَيْرُ، وَيَجِبُ فِيهَا دِيَةٌ وَثُلُثُ دِيَةٍ لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَتْبَعُ الْقَلِيلَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.

وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ دِيَتَانِ وَثُلُثُ دِيَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَرَى التَّدَاخُلَ فِي الشِّجَاجِ أَصْلًا وَرَأْسًا.

وَلَوْ سَقَطَ بِالْمُوضِحَةِ بَعْضُ شَعْرِ رَأْسِهِ يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِلَى حُكُومَةِ الْعَدْلِ فِي الشَّعْرِ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً لَا يَجِبُ إلَّا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّهُمَا يَجِبَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيَتَدَاخَلُ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي حَاجِبِهِ فَسَقَطَ وَلَمْ يَنْبُتْ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِ الشَّعْرِ لِمَا قُلْنَا.

وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ الشِّجَاجِ الْخَطَأِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ عَمْدًا فَذَهَبَ مِنْهَا الْعَقْلُ أَوْ الشَّعْرُ أَوْ السَّمْعُ أَوْ غَيْرُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي مَا يُلْحَقُ بِمَسَائِلِ التَّدَاخُلِ فِي الدِّيَة والأرش]

(فَصْلٌ) :

وَمِمَّا يُلْحَقُ بِمَسَائِلِ التَّدَاخُلِ مَا إذَا قُطِعَتْ الْيَدُ وَفِيهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ وَفِيهَا ثَلَاثُ أَصَابِعً فَصَاعِدًا تَجِبُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ، وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِجَمِيعِ الْأَصَابِعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَصَابِعِ لَا غَيْرُ، وَلَا يَجِبُ لِأَجْلِ الْكَفِّ شَيْءٌ فَإِذَا بَقِيَ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ فَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعً يَجِبُ أَرْشُ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مَفْصِلًا وَاحِدًا، وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ شَيْءٌ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَلَوْ مَفْصِلًا وَاحِدًا دَخَلَ أَرْشُ الْيَدِ فِيهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَفِّ إلَّا ثُلُثُ مَفْصِلٍ مِنْ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَقَطَعَ إنْسَانٌ الْكَفَّ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْيَدِ.

وَلَوْ كَانَ فِيهَا إصْبَعٌ وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ خُمُسُ دِيَةِ الْيَدِ وَلَوْ كَانَ فِيهَا أُصْبُعَانِ فَعَلَيْهِ خُمُسَا دِيَةِ الْيَدِ.

وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُمَا يَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ أَيُّهُمَا كَانَ فَيُنْظَرُ إلَى حُكُومَةِ الْكَفِّ وَإِلَى أَرْشِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ فَيَدْخُلُ أَقَلُّهُمَا فِي أَكْثَرِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ يَتْبَعُ الْكَثِيرَ لَا عَكْسًا فَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَلَا يَدْخُلُ الْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ أَوْ مِنْ مَفَاصِلِهَا فَهُوَ أَصْلٌ لِأَنَّ لَهُ أَرْشًا مُقَدَّرًا، وَالْكَفُّ لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصَابِعِ فَيَتْبَعُهَا فِي أَرْشِهَا كَمَا يَتْبَعُ جَمِيعَ الْأَصَابِعِ أَوْ أَكْثَرَهَا.

وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْقَسَامَةِ أَنَّهُ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى الْمُشْتَرِينَ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ فُلَانٍ أَنَّهُ مَا بَقِيَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ صُلْبِهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَطَعَ كَفًّا لَا أَصَابِعَ فِيهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ يَتْبَعُهَا الْكَفُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالتَّبَعُ لَا يُسَاوِي الْمَتْبُوعَ فِي الْأَرْشِ.

وَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ مَعَ الذِّرَاعِ مِنْ الْمَفْصِلِ خَطَأً فَفِي الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ الدِّيَةُ، وَفِي الذِّرَاعِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي قَوْلِهِمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ، وَالذِّرَاعُ تَبَعٌ.

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَالْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَلِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ إذَا اتَّصَلَ بِمَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ يَتْبَعُهُ فِي الْأَرْشِ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَصَابِعِ، وَالْكَفُّ تَابِعَةٌ لِلْأَصَابِعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ الْأَصَابِعَ بِالْقَطْعِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ لَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ أَيْضًا فَلَوْ جَعَلَ الذِّرَاعَ تَبَعًا لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ (وَإِمَّا) أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْكَفِّ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُضْوٌ فَاصِلٌ وَهُوَ الْكَفُّ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا، وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي لِأَنَّ الْكَفَّ تَابِعَةٌ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَسْتَتْبِعُ غَيْرَهَا.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَالرِّجْلَ مِنْ الْوَرِكِ أَوْ قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعَضُدِ، وَالرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الرَّحْمَةُ أَنَّ أَصَابِعَ الْيَدِ لَا يَتْبَعُهَا إلَّا الْكَفَّ فَلَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِهَا غَيْرَ أَرْشِ الْكَفِّ.

وَكَذَلِكَ أَصَابِعُ الرِّجْلِ لَا يَتْبَعُهَا غَيْرُ الْقَدَمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِهَا غَيْرُ أَرْشِ الْقَدَمِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ مَا فَوْقَ الْكَفِّ مِنْ الْيَدِ تَبَعٌ.

وَكَذَا مَا فَوْقَ الْقَدَمِ مِنْ الرِّجْلِ تَبَعٌ فَيَدْخُلَ أَرْشُ التَّبَعِ فِي الْمَتْبُوعِ كَمَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْكَفِّ فِي الْأَصَابِعِ.

(وَأَمَّا) الْجِرَاحُ فَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015