الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ.
وَلَا قِصَاصَ فِي جَزِّ شَعْرِ الرَّأْسِ وَحَلْقِهِ وَحَلْقِ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدَ الْحَلْقِ وَالنَّتْفِ (أَمَّا) الْجَزُّ فَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْمِثْلِ (وَأَمَّا) الْحَلْقُ وَالنَّتْفُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْحَالِقِ وَالنَّاتِفِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ حَلْقُ وَنَتْفُ غَيْرِ مَنْبَتٍ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَحْلُوقِ وَالْمَنْتُوفِ لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ حَلْقُهُ وَنَتْفُهُ مَنْبَتًا فَلَا يَكُونُ مِثْلَ الْأَوَّلِ.
وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا لَمْ يَنْبُتْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَمْ لَا؟ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْأُنْثَيَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ مَفْصِلٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ.
(وَأَمَّا) حَلَمَةُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ فِيهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا فَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِيهَا كَالْحَشَفَةِ
وَلَوْ ضَرَبَ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ أَوْ جِمَاعُهُ أَوْ مَاءُ صُلْبِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضْرَبَ ضَرْبًا تَذْهَبُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ مُمْكِنًا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلِهِ فَشُلَّتْ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضْرَبَ ضَرْبًا مُشِلًّا فَلَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الشِّجَاجُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِيهَا الْقِصَاصُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَدًّا تَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ، وَهُوَ الْعَظْمُ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيمَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ لِتَعَدُّدِ الِاسْتِيفَاءِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ تَهْشِمُ الْعَظْمَ، وَالْمُنَقِّلَةَ تَهْشِمُ وَتُنَقِّلُ بَعْدَ الْهَشِمِ، وَلَا قِصَاصَ فِي هَشْمِ الْعَظْمِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْآمَّةُ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا مِنْ أَنْ يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الدِّمَاغِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ عَلَى وَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ (وَأَمَّا) مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالسِّمْحَاقِ وَالْبَاضِعَةِ وَالدَّامِيَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الشِّجَاجِ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ وَالسِّمْحَاقِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ فِي السِّمْحَاقِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ خُدُوشٌ وَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَعَنْ الشُّعَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فِيهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا لَا حَدَّ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمِثْلِ فِيهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ غَوْرِ الْجِرَاحَةِ بِالْمِسْبَارِ ثُمَّ إذَا عُرِفَ قَدْرُهُ بِهِ يُعْمَلُ حَدِيدَةٌ عَلَى قَدْرِهِ فَتَنْفُذُ فِي اللَّحْمِ إلَى آخِرِهَا فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، ثُمَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ الشِّجَاجِ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاجِّ إلَّا فِي مَوْضِعِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمَشْجُوجِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وَوَسَطِهِ وَجَنْبَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصُ لِلشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ، وَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الرَّأْسِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْنَ فِي مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ مِثْلَ الشَّيْنِ الَّذِي فِي مُقَدَّمِهِ؟ وَلِهَذَا يُسْتَوْفَى عَلَى مِسَاحَةِ الشَّجَّةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا مَا أَمْكَنَ لِاخْتِلَافِ الشَّيْنِ بِاخْتِلَافِ الشَّجَّةِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبْرِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَأَخَذَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ، وَهِيَ لَا تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لِصِغَرِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ وَكِبَرِ رَأْسِ الشَّاجِّ أَنَّهُ لَا يُسْتَوْعَبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِيعَابِ اسْتِيفَاءَ الزِّيَادَةِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ الشَّيْنِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمَشْجُوجُ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْ الشَّاجِّ حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَ شَجَّتِهِ فِي الطُّولِ ثُمَّ يَكُفُّ، وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى الْأَرْشِ لِأَنَّهُ وَجَدَ حَقَّهُ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْأُولَى وَقَعَتْ مُسْتَوْعَبَةٌ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ نَاقِصًا تَشَفِّيًا لِلصَّدْرِ، وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى الْأَرْشِ كَمَا قُلْنَا فِي الْأَشَلِّ إذَا قَطَعَ يَدَ الصَّحِيحِ فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْتَدَأَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَلَا تَفْضُلُ وَهِيَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ، وَتَفْضُلُ عَنْ قَرْنَيْهِ لِكِبَرِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ وَصِغَرِ رَأْسِ الشَّاجِّ فَلِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ فَيُخَيَّرُ الْمَشْجُوجُ لِأَنَّهُ وَجَدَ حَقَّهُ نَاقِصًا إذْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى فِي قَدْرِ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ