بِالْأَعْلَى لِتَفَاوُتٍ بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَطْرَافِ إلَّا بِالصَّحِيحِ مِنْهَا فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ الصَّحِيحَةُ، وَلَا كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَةِ الْأَصَابِع، أَوْ مَفْصِلٌ مِنْ الْأَصَابِعِ.

وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ وَالْأُصْبُعُ وَغَيْرُهَا؛ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَالْمَعِيبِ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي طَرَفِ الْجَانِي فَالْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمِثْلِ، وَهُوَ السَّلِيمُ، وَلَا يُمْكِنْهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ فَوَاتِ صِفَةِ السَّلَامَةِ، وَأَمْكَنَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِ الِاسْتِيفَاءِ حَتْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ نَاقِصًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَاسْتَوْفَاهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى بَدَلِ حَقِّهِ، وَهُوَ كَمَالُ الْأَرْشِ، كَمَنْ أَتْلَفَ عَلَى إنْسَانٍ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ، وَالْمُتْلَفُ جَيِّدٌ، فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا الرَّدِيءُ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى قِيمَةِ الْجَيِّدِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا (وَلَوْ أَرَادَ) الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى -: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

(وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إنَّ حَقَّهُ فِي الْمِثْلِ وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ هَذِهِ الْيَدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ، وَيُضَمِّنُهُ الْبَاقِيَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ شَيْئًا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ إلَّا قَدْرَ بَعْضِ حَقِّهِ إنَّهُ يَأْخُذُ الْقَدْرَ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُتْلَفِ وَيُضَمِّنُهُ الْبَاقِيَ، كَذَا هَذَا.

(وَلَنَا) أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِيفَاءِ أَصْلِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ هُوَ الْوَصْفُ، وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ، فَإِذَا رَضِيَ بِاسْتِيفَاءِ أَصْلِ حَقِّهِ نَاقِصًا - كَانَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الصِّفَةِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَهُوَ جَيِّدٌ، فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ نَوْعُ الْجَيِّدِ، وَلَا يُوجَدُ إلَّا الرَّدِيءُ مِنْهُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ، أَوْ قِيمَةُ الْجَيِّدِ كَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِمِثْلِ الْمُتْلِفِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَوْجُودَ، وَيَأْخُذَ قِيمَةَ الْبَاقِي، وَهَهُنَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِالْقَطْعِ مِنْ الْمِفْصَلِ دُونَ الْأَصَابِعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الْأَصَابِعَ، وَيَبْرَأَ عَنْ الْكَفِّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ تَكُنْ الْأَصَابِعُ عَيْنَ حَقِّهِ، إنْ كَانَ الْبَعْضُ قَطْعَ الْأَصَابِعِ بِأَنْ كَانَتْ جَارِيَةً مَجْرَى الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ فِي الْمَكِيلِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ.

(وَلَوْ) ذَهَبَتْ الْجَارِحَةُ الْمُعَيَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، أَخَذَهَا أَوْ قَطَعَهَا قَاطِعٌ - بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَهَلْ يَجِبُ) الْأَرْشُ عَلَى الْجَانِي؟ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدًا صَحِيحَةً، وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إنْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ قُطِعَتْ ظُلْمًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قُطِعَتْ بِحَقٍّ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ (وَعِنْدَ) الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا عِنْدَنَا فِي النَّفْسِ، وَمَا دُونَهُ (وَعِنْدَهُ) أَحَدُهُمَا: غَيْرُ عَيْنٍ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَكِنْ مَعَ حَقِّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ (وَقَدْ) ذَكَرْنَا هَذَا الْأَصْلَ بِفُرُوعِهِ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَطْعُ بِحَقٍّ يَجِبُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِالطَّرَفِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَائِمٌ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِعُذْرِ الْخَطَأِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الصَّحِيحَةِ فَنَقُولُ: حَقُّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْيَدِ الْمُعَيَّنَةِ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى الْأَرْشِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ، فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْ حَتَّى هَلَكَتْ بَقِيَ حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِالْيَدِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ؟ قِيلَ: لَا بَلْ حَقُّهُ كَانَ فِي الْيَدِ عَلَى التَّعْيِينِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إلَى بَدَلِهِ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، فَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بَقِيَ حَقُّهُ فِي الْيَدِ، فَإِذَا هَلَكَتْ فَقَدْ بَطَلَ مَحَلُّ الْحَقِّ، فَبَطَلَ الْحَقُّ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - عَزَّ وَجَلَّ - الْمُوَفِّقُ (وَلَوْ كَانَتْ) يَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةً وَقْتَ الْقَطْعِ ثُمَّ شُلَّتْ بَعْدَهُ فَلَا حَقَّ لِلْمَقْطُوعِ فِي الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي الْيَدِ عَيْنًا بِالْقَطْعِ فَلَا يُنْتَقَلُ إلَى الْأَرْشِ بِالنُّقْصَانِ، كَمَا إذَا ذَهَبَ الْكُلُّ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ أَصْلًا وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَرْشِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِيمَا يُقْطَعُ مِنْ الْمَفَاصِلِ مِفْصَلِ الزَّنْدِ، أَوْ مَفْصِلِ الْمِرْفَقِ، أَوْ مِفْصَلِ الْكَتِفِ فِي الْيَدِ، أَوْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ، أَوْ مِفْصَلِ الرُّكْبَةِ، أَوْ مِفْصَلِ الْوِرْكِ فِي الرِّجْلِ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَفَاصِلِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ كَمَا إذَا قُطِعَ مِنْ السَّاعِدِ أَوْ الْعَضُدِ أَوْ السَّاقِ أَوْ الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ مِنْ الْمَفَاصِلِ، وَلَا يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِهَا.

(وَلَيْسَ) فِي لَحْمِ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ، وَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015