وُجِدَ مِنْهُمَا، وَهُوَ حَفْرُهُمَا فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِذَا كَانَ كَثِيرًا كَانَ الْوُقُوعُ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْ الثَّانِي فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ كَبَسَهَا فَجَاءَ رَجُلٌ، وَأَخْرَجَ مَا كُبِسَ، فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ - فَالْكَبْسُ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ كَانَ بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ (وَأَمَّا) إنْ كَانَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنْ كَانَ بِالْأَوَّلِ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِالثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَبْسَ بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ يُعَدُّ طَمًّا لِلْبِئْرِ، وَإِلْحَاقًا لَهُ بِالْعَدَمِ، فَكَانَ إخْرَاجُ ذَلِكَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ إخْرَاجِ بِئْرٍ أُخْرَى (فَأَمَّا) الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَنَحْوِهِمَا - فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ طَمًّا بَلْ يُعَدُّ شَغْلًا لَهَا.
أَلَا يَرَى أَنَّهُ بَقِيَ أَثَرُ الْحَفْرِ بَعْدَ الْكَبْسِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْكَبْسِ بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا وَسَدَّ الْحَافِرَ رَأْسَهَا ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ فَنَقَضَهُ، فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ - فَالضَّمَان عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحَفْرِ لَمْ يَنْعَدِمْ بِالسَّدِّ، لَكِنَّ السَّدَّ صَارَ مَانِعًا مِنْ الْوُقُوعِ، وَالْفَاتِحُ بِالْفَتْحِ أَزَالَ الْمَانِعَ، وَزَوَالُ الْمَانِعِ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ لَا إلَى الشَّرْطِ، وَلَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَعَثَّرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا آخَرُ - فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِسَبَبِ التَّعَثُّرِ، وَالتَّعَثُّرُ بِسَبَبِ وَضْعِ الْحَجَرِ، وَالْوَضْعُ تَعَدٍّ مِنْهُ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى وَضْعِ الْحَجَرِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ، وَلَكِنَّهُ حِمْلُ السَّيْلِ - فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْحَجَرِ لِعَدَمِ التَّعَدِّيَ مِنْهُ، فَيُضَافُ إلَى الْحَافِرِ؛ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِي الْحَفْرِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحَافِرُ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ فَقَالَ الْحَافِرُ: هُوَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا مُتَعَمِّدًا.
وَقَالَ الْوَرَثَةُ: بَلْ وَقَعَ فِيهَا - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ عَمْدًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ الْآخَرِ: أَنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ، فَالْوَرَثَةُ يَدَّعُونَ عَلَى الْحَافِرِ الضَّمَانَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الظَّاهِرِ مُعَارَضٌ بِظَاهِرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَارَّ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَمْشِي فِيهِ يَرَى الْبِئْرَ فَتَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ.
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ رَجُلٌ فِيهَا فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِثَالِثٍ، فَوَقَعُوا، فَمَاتُوا - فَهَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: (أَمَّا) إنْ عَلِمَ حَالَ مَوْتِهِمْ بِأَنْ خَرَجُوا أَحْيَاءً فَأَخْبَرُوا عَنْ حَالِهِمْ.
(وَإِمَّا) إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ (فَأَمَّا) مَوْتُ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ (إمَّا) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ خَاصَّةً.
(وَإِمَّا) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ خَاصَّةً.
(وَإِمَّا) إنْ عَلِمَ إنْ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ خَاصَّةً.
(وَإِمَّا) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ.
(وَإِمَّا) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ.
(وَإِمَّا) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ خَاصَّةً - فَالضَّمَان عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ هُوَ الْقَاتِلُ تَسْبِيبًا، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ خَاصَّةً فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ حَيْثُ جَرَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ خَاصَّةً - فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّالِثَ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى أَوْقَعَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ فَنِصْفُهُ هَدَرٌ، وَنِصْفُهُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ جَرَّهُ الثَّانِيَ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَجَرُّ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرُ فَهُدِرَ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ.
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعُ الثَّانِيَ عَلَيْهِ فَالنِّصْفُ عَلَى الْحَافِرِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ بِالْحَفْرِ وَالنِّصْفُ هَدَرٌ لِجَرِّهِ الثَّانِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَالنِّصْفُ عَلَى الْحَافِرِ، وَالنِّصْفُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّالِثَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَوُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ فَالثُّلُثُ هَدَرٌ، وَالثُّلُثُ عَلَى الْحَافِرِ، وَالثُّلُثُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ: أَحَدُهُمَا هَدَرٌ، وَهِيَ جَرُّهُ الثَّانِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَبَقِيَتْ جِنَايَةُ الْحَافِرِ، وَجِنَايَةُ الثَّانِي بِجَرَّةِ الثَّالِثَ عَلَى الْأَوَّلِ فَتُعْتَبَرُ.
(وَأَمَّا) مَوْتُ الثَّانِي فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (إمَّا) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ خَاصَّةً، وَإِمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ، وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسُقُوطِهِ فِي الْبِئْرِ خَاصَّةً - فَدِيَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَافِرِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي جَرَّهُ إلَى الْبِئْرِ، فَكَانَ كَالدَّافِعِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِ