أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فَعَطِبَ بِهِ شَيْءٌ - فَذَلِكَ كُلُّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْوُقُوفِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَلَوْ انْفَتَحَ الرِّبَاطُ وَذَهَبَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَمَا عَطِبَ بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ هَدْرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعَدِّي قَدْ زَالَ بِزَوَالِهَا مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ فَزَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا بَعْدَ مَا أَوْقَفَهَا ثُمَّ جَنَتْ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ عَطِبَ بِهَا شَيْءٌ فَهُوَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا زَالَتْ عَنْ مَوْضِعِ الْوَقْفِ فَقَدْ زَالَ التَّعَدِّي فَكَأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِنَفْسِهَا وَجَنَتْ، وَلَوْ نَفَرَتْ الدَّابَّةُ مِنْ الرَّجُلِ أَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهُ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ذَلِكَ - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» أَيْ الْبَهِيمَةُ جُرْحُهَا جُبَارٌ وَلِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي نِفَارِهَا وَانْفِلَاتِهَا، وَلَا يُمْكِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ فِعْلِهَا، فَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا، وَلَوْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ فَمَا أَصَابَتْ مِنْ فَوَرِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ سَيْرهَا فِي فَوْرِهَا مُضَافٌ إلَى إرْسَالِهَا، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِرْسَالِ، فَصَارَ كَالدَّافِعِ لَهَا أَوْ كَالسَّائِقِ، فَإِنْ عَطَفَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ أَصَابَتْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَرِيقٌ إلَّا ذَلِكَ - فَذَلِكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ الْإِرْسَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا عَطَفَتْ بِاخْتِيَارِهَا فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ، وَصَارَتْ كَالْمُنْفَلِتَةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ طَيْرًا فَأَصَابَ شَيْئًا فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَأَتْلَفَ طِيبَةَ الْحَرَمِ إنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِهِ وَفِعْلُهُ جُبَارٌ، وَلَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا حَتَّى عَقَرَ رَجُلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا لَوْ أَرْسَلَ طَيْرًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ الْبَهِيمَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ سَائِقًا لَهُ أَوْ قَائِدًا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ وَلَا قَائِدًا لَا يَضْمَنُ، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْرَ فِعْلُ الْكَلْبِ بِاخْتِيَارِهِ فَالْأَصْلُ هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَفِعْلُهُ جُبَارٌ إلَّا أَنَّهُ بِالسَّوْقِ أَوْ الْقَوْدِ يَصِيرُ مُغْرِيًا إيَّاهُ إلَى الْإِتْلَافِ فَيَصِيرُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ فَأَشْبَهَ سَوْقِ الدَّابَّةِ وَقَوْدِهَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ إغْرَاءَ الْكَلْبِ بِمَنْزِلَةِ إرْسَالِ الْبَهِيمَةِ، فَالْمُصَابُ عَلَى فَوْرِ الْإِرْسَالِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْسِلِ، فَكَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ الْكَلْبَ يَعْقِرُ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْإِغْرَاءُ لِلتَّحْرِيضِ، وَفِعْلُهُ جُبَارٌ، وَلَوْ دَخَلَ رَجُلٌ دَارَ غَيْرِهِ فَعَقَرَهُ كَلْبَهُ لَا يَضْمَنُ، سَوَاءٌ دَخَلَ دَارِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ جُبَارٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِهِ التَّسْبِيبُ إلَى الْعَقْرِ؛ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْإِمْسَاكُ فِي الْبَيْتِ وَأَنَّهُ مُبَاحٌ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، وَلَوْ أَلْقَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي الطَّرِيقِ فَلَدَغَتْ إنْسَانًا - فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُلْقِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِلْقَاءِ إلَّا إذَا عَدَلَتْ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَضْمَنُ لِارْتِفَاعِ التَّعَدِّي بِالْعُدُولِ إذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلَيْنِ: فِعْلِ نَفْسِهِ، وَفِعْلِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ صَدْمَةُ صَاحِبِهِ، وَصَدْمَةُ نَفْسِهِ فَيُهْدَرَ مَا حَصَلَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَيُعْتَبَرُ مَا حَصَلَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ، وَجَرَحَهُ أَجْنَبِيُّ فَمَاتَ أَنَّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ مَذْهَبِنَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ فَيَضْمَنُ صَاحِبَهُ كَمَنْ بَنَى حَائِطًا فِي الطَّرِيقِ، فَصَدَمَ رَجُلًا فَمَاتَ إنَّ الدِّيَةَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ كَذَا هَذَا، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ صَدْمَةَ نَفْسِهِ مَعَ صَدْمِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمَا لَزِمَ بَانِي الْحَائِطِ عَلَى الطَّرِيقِ جَمِيعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ مَشَى إلَيْهِ وَصَدْمَهُ.
وَكَذَلِكَ حَافِرُ الْبِئْرِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاشِي قَدْ مَشَى إلَيْهَا رَجُلَانِ مَدَّا حَبْلًا حَتَّى انْقَطَعَ فَسَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ سَقَطَا عَلَى ظَهْرِهِمَا فَمَاتَا - فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَمُتْ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِهِ؛ إذْ لَوْ مَاتَ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِهِ لَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمَّا سَقَطَ عَلَى قَفَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ سَقَطَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَدُّهُ، فَقَدْ مَاتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ سَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا فَمَاتَا فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَذْبِهِ، وَإِنْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَمَاتَا جَمِيعًا - فَدِيَةُ الَّذِي سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ جَذْبُهُ، وَدِيَةُ الَّذِي سَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَطَعَ قَاطِعٌ الْحَبْلَ فَسَقَطَا جَمِيعًا فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ