وَتَسْعَى، وَهِيَ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْحَالَيْنِ حَالَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ، وَحَالَ وُجُوبِ السِّعَايَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً فِي الْحَالَيْنِ بِأَنْ قَتَلَتْ أَجْنَبِيًّا خَطَأً لَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ.
وَكَانَتْ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً حَالَ الْجِنَايَةِ حُرَّةً حَالِ السِّعَايَةِ اعْتَبَرْنَا بِالْحَالَيْنِ فَأَوْجَبْنَا نِصْفَ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا إلَى وُجُودِ الْجِنَايَةِ.
وَأَوْجَدْنَا ذَلِكَ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمَوْلَى اعْتِبَارًا بِحَالِ وُجُوبِ السِّعَايَةِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ مِنْهَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا، وَسَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ - فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ فِي نَصِيبِ وَلَدِهَا؛ إذْ لَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أُمِّهِ قِصَاصُ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ احْتِرَامًا لِلْأُمِّ (وَأَمَّا) لُزُومُ السِّعَايَةِ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، وَلَا تَعَذُّرَ فِي الْقِيمَةِ فَتَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ لَازِمَةٌ كَجِنَايَةِ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إكْسَابِهِ، وَأَرْشُ جِنَايَاتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِإِكْسَابِهِ مِنْ الْمَوْلَى، وَتَجِبُ الْقِيمَةَ حَالَّةً؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْمَنْعِ مِنْ الدَّفْعِ فَتَكُونُ حَالَّةً كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ مُدَبَّرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(هَذَا) إذَا كَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ حُرَّيْنِ أَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَالْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا وَالْمَقْتُولُ حُرًّا.
فَأَمَّا إذَا كَانَا عَبْدَيْنِ بِأَنْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا خَطَأً فَالْمَقْتُولُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ كَانَ عَبْدًا لِأَجْنَبِيٍّ، وَإِمَّا إنْ كَانَ عَبْدًا لِمَوْلَى الْقَاتِلِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لِأَجْنَبِيِّ بِأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ قِنًّا يُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا، وَهَذَا وَمَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يُخَاطِبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ بِالدِّيَةِ، وَهَهُنَا يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا كَمَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُكَاتَبًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا كَمَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا، هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ فَجِنَايَةُ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ هَدَرٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُكَاتَبًا فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ لَازِمَةٌ كَائِنًا مَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ هَذَا إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا خَطَأً فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَائِنًا مَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ، وَاَللَّهُ - جَلَّ شَأْنُهُ - الْمُوفِقُ.
(وَأَمَّا) الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ، وَنَوْعٌ هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَرِيقِ التَّسْبِيبِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَنَحْوُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إنْسَانٍ فَيَقْتُلَهُ فَهَذَا الْقَتْلُ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثِقَلِهِ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ هُنَاكَ وُرُودًا هَهُنَا دَلَالَةً.
وَكَذَلِكَ لَوْ سَقَطَ إنْسَانٌ مِنْ سَطْحٍ عَلَى قَاعِدٍ فَقَتَلَهُ (أَمَّا) وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِوُجُودِ مَعْنَى الْخَطَأِ، وَهُوَ عَدَمُ الْقَصْدِ (وَأَمَّا) وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ فَلِوُجُودِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثِقَلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاعِدُ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَوْ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلَوْ مَاتَ السَّاقِطُ دُونَ الْقَاعِدِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ قُعُودَهُ فِيهِ جِنَايَةً لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي الْقُعُودِ فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَيُهْدَرُ دَمُ السَّاقِطِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ قُعُودُهُ فِيهِ جِنَايَةً فَدِيَةُ السَّاقِطِ عَلَى الْقَاعِدِ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْقُعُودِ فَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ كَمَا فِي الْبِئْرِ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ حَامِلًا سَيْفًا أَوْ حَجَرًا أَوْ لَبِنَةً أَوْ خَشَبَةً فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَقَتَلَهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَطَأِ فِيهِ وَحُصُولِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ لِوُصُولِ الْآلَةِ لِبَشَرَةِ الْمَقْتُولِ (وَلَوْ) كَانَ لَابِسًا سَيْفًا فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ ثَوْبُهُ أَوْ رِدَاؤُهُ أَوْ طَيْلَسَانُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ، وَهُوَ لَابِسُهُ عَلَى إنْسَانٍ فَتَعَقَّلَ بِهِ فَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِي اللَّبْسِ ضَرُورَةً؛ إذْ النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَى لُبْسِ هَذِهِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ السُّقُوطِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ، فَكَانَتْ الْبَلِيَّةُ فِيهِ عَامَّةً فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْحَمْلِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ سُقُوطِ الْمَحْمُولِ مُمْكِنٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَبِسَهُ مِمَّا لَا يُلْبَسُ عَادَةً فَهُوَ ضَامِنٌ.
وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ إذَا كَانَ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ