الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِ الْمَأْذُونِ أَوْ الْمَحْجُورِ بِسَبَبِ الْقِصَاصِ أَوْ الْحَدِّ لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَحُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَضَرَ الْمَوْلَى أَوْ غَابَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْحُدُودِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبْدِ، وَكَذَا حَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَسَائِرُ الْحُدُودِ حُقُوقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِصًا فَالْبَيِّنَةُ، وَإِنْ أَظْهَرَتْ الْإِقْرَارَ فَالْإِنْكَارُ مِنْهُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا سَوَاءٌ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَضَرَ الْمَوْلَى أَوْ غَابَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَطْعِ لِلرُّجُوعِ، وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ فَيَجِبُ الضَّمَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمَالِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَا يَقِفُ عَلَى حُضُورِ الْمَوْلَى، وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ أَمَّا الْقَطْعُ فَلِمَكَانِ الرُّجُوعِ.

وَأَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ غَيْرُ نَافِذٍ فِي الْحَالِّ فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ أَوْ الْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ عَلَى قَتْلٍ أَوْ سَبَبِ حَدٍّ قُبِلَتْ عَلَى الْقَتْلِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْحَدِّ لِتَصَوُّرِ سَبَبِ وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ، وَانْعِدَامُ تَصَوُّرِ سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْهُ مِنْ الزِّنَا وَغَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ عَلَى السَّرِقَةِ قُبِلَتْ عَلَى الْمَالِ وَضَمَّنَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ مِنْ أَهْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَان مَحِلّ تعلق الدِّين بالمأذون]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ التَّعَلُّقِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ عَيَّنَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ أَوْ تَعَيَّنَ شَرْعًا نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ كَسْبَ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِكَسْبِ التِّجَارَةِ وَتَكُونُ الْهِبَةُ وَغَيْرُهَا لِلْمَوْلَى.

(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ التَّعَلُّقَ حُكْمُ الْإِذْنِ، وَالْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ لَا لِغَيْرِهَا، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِ التِّجَارَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ.

(وَلَنَا) أَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْعَبْدِ أَيَّ كَسْبٍ كَانَ فَرَاغُهُ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ لِلْفِقْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُوجَدْ الْفَرَاغُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ الْكَسْبُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَهُ إلَّا الْوَلَدَ وَالْأَرْشَ فَإِنَّ مَا وَلَدَتْ الْمَأْذُونَةُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَمَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْأَرْشُ بِأَنْ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَوَجَبَ الْأَرْشُ عَلَى الْفَاقِئِ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْوَلَدِ بِحُكْمِ السِّرَايَةِ مِنْ الْأُمِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْدُثُ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّ وَمَعْنَى السِّرَايَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَادِثِ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْأُمِّ فَلَمَّا حَدَثَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْأَرْشُ فِي حُكْمِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالْأَرْشُ بَدَلُ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ مِنْ الْأَصْلِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ

وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ بِحُكْمِ السِّرَايَةِ بَلْ الشُّغْلُ بِحَاجَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَنْزِعْهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ حَتَّى لَحِقَهُ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَقَدْ صَارَ مَشْغُولًا بِحَاجَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْمَوْلَى فِيهِ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَهَهُنَا فَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ يَدْخُلُ فِي الدَّيْنِ وَوَلَدُ الْجِنَايَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي الدَّيْنِ بِحُكْمِ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْأُمِّ فَسَرَى ذَلِكَ إلَى الْوَلَدِ فَحَدَثَ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّ، وَالْجِنَايَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعَلُّقَ بِالرَّقَبَةِ فَلَا تَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَعْمَلَ بِهِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى وَلَحِقَهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ، وَذَا لَيْسَ كَسْبَهُ أَصْلًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.

وَأَمَّا رَقَبَةُ الْعَبْدِ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: يَتَعَلَّقُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَعَلَّقُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ دَيْنَ الْعَبْدِ فَالرَّقَبَةُ مِلْكُ الْمَوْلَى، وَدَيْنُ الْإِنْسَانِ لَا يُقْضَى مِنْ مَالٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ كَانَ دَيْنَ الْمَوْلَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَالٌ دُونَ مَالٍ كَسَائِرِ دُيُونِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يُقْضَى مِنْ الْكَسْبِ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ فَالْإِذْنُ مِنْ الْمَوْلَى دَلَالَةُ الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ دَيْنِ التِّجَارَةِ مِنْ كَسْبِ التِّجَارَةِ فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً، وَمِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِ التِّجَارَةِ.

(وَلَنَا) أَنْ نَقُولَ هَذَا دَيْنُ الْعَبْدِ لَكِنْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ عِنْدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015