زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْقَى فِيمَا وَرَاءَ النُّقْصَانِ وَيَسْقُطُ بِقَدْرِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ النُّقْصَانُ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ جَبْرًا لَهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ جَبْرِ الْفَائِتِ، وَقَدْ حَصَلَ الْفَوَاتُ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جَابِرٍ وَالْوَلَدُ لَا يَصْلُحُ جَابِرًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْوَلَدُ مِلْكُهُ أَيْضًا، وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْإِنْسَانِ جَابِرًا لِمِلْكِهِ فَلَزِمَ جَبْرُهُ بِالضَّمَانِ.
(وَلَنَا) أَنَّ هَذَا نُقْصَانٌ صُورَةً لَا مَعْنًى، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَنُقْصَانِ السِّنِّ وَالسِّمَنِ وَالْقَطْعِ، وَقَدْ مَرَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ نُقْصَانًا مَعْنًى: أَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَاتِّحَادُ سَبَبِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ النُّقْصَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مِثْلُ الْفَائِتِ، فَالسَّبَبُ الَّذِي فَوَّتَ أَفَادَ لَهُ مِثْلَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَلَمْ يَحْصُلْ الْفَوَاتُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَالصُّورَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِالْقِيمَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ.
وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ جَبْرَ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ النُّقْصَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَمْتَنِعُ تَحَقُّقُ الْفَوَاتِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَابِرِ، وَإِنْ هَلَكَا جَمِيعًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ غَصَبَ؛ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيهَا، وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْصُوبٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ لِوُجُودِ الْغَصْبِ فِيهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ قَتَلَ الْوَلَدَ، أَوْ بَاعَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَعَ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا فَالْأَمَانَةَ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ فِيهَا، وَقَدْ وُجِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالْوَلَدُ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ الْغَصْبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَضَمِنَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، يَدْخُلُ ذَلِكَ النِّصْفُ فِي قِيمَةِ الْأُمِّ، وَإِنْ شِئْت ضَمَّنْته قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ وَلَدَتْ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ بِأُمِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ إذَا انْجَبَرَ بِالْوَلَدِ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ الضَّمَانِ فِي الْحَاصِلِ أَلْفًا وَمِائَةً، فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ تَامَّةً بَقِيَ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ تِسْعَمِائَةٍ بَقِيَ كُلُّ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ، فَإِنْ هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ رَدَّ الْأُمَّ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْوَلَدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ أَمَانَةً فَإِنْ هَلَكَتْ الْأُمُّ وَبَقِيَ الْوَلَدُ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ غَصَبَ وَرَدَّ الْوَلَدَ وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ بِالْوَلَدِ.
وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الْأُمِّ بِخِلَافِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ هُنَاكَ لِاتِّحَادِ سَبَبِ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَلَمْ تُوجَدْ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْوَلَدِ وَلَيْسَتْ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا، فَلَمْ يَتَّحِدْ السَّبَبُ فَيَتَعَذَّرُ الْجَبْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ أَنَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ غَيْرَ أَنَّ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا خِيَارَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ، إلَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ وَتَعْيِيبٌ فَيُوجِبُ ضَمَانَ نُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا بِأَنْ قَطَعَهُ قَبَاءً، أَوْ قَمِيصًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَقْطُوعًا وَضَمَّنَهُ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْطُوعٍ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ الْفَاحِشَ يُفَوِّتُ بَعْضَ الْمَنَافِعِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الثَّوْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا، وَلَمْ يَشْوِهَا وَلَا طَبَخَهَا، فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الشَّاةَ وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَ الذَّبْحِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ سَلَخَهَا الْغَاصِبُ وَأَرَّبَهَا أَوْ لَا، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَوَاهَا وَلَا طَبَخَهَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الشَّاةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَبْحَ الشَّاةِ إنْ كَانَ نُقْصَانًا صُورَةً فَهُوَ زِيَادَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّاةِ اللَّحْمُ، وَالذَّبْحُ وَسِيلَةٌ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ، فَلَمْ يَكُنْ نُقْصَانًا، بَلْ كَانَ زِيَادَةً حَيْثُ رَفَعَ عَنْهُ مُؤْنَةَ الْوَسِيلَةِ، فَكَانَ الْغَاصِبُ مُحْسِنًا فِي الذَّبْحِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَإِذَا اخْتَارَ أَخْذَ اللَّحْمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ، إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَيْهِ، وَيُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ لِفَوَاتِ مَقْصُودِ مَا فِي الْجُمْلَةِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الشَّاةَ كَمَا يُطْلَبُ مِنْهَا اللَّحْمُ يُطْلَبُ مِنْهَا مَقَاصِدُ أُخَرُ مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالتِّجَارَةِ، فَكَانَ الذَّبْحُ تَفْوِيتًا لِبَعْضِ الْمَقَاصِدِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا، فَكَانَ تَنْقِيصًا لَهَا وَاسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ، فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ تَضْمِينِ النُّقْصَانِ وَخِيَارُ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ.
وَعَلَى هَذَا