نِصَابًا بِأَنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْطَعُ.

وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ اللِّصَّ إنْ كَانَ يَعْلَمُ بِالدَّرَاهِمِ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يُقْطَعُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.

(وَوَجْهُهُ) : أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَسْرُوقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا، قَدْ وُجِدَ.

(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِالدَّرَاهِمِ كَانَ مَقْصُودُهُ بِالْأَخْذِ الدَّرَاهِمَ وَقَدْ بَلَغَتْ نِصَابًا فَيُقْطَعُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ بِهَا كَانَ مَقْصُودُهُ الثَّوْبَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ النِّصَابَ فَلَا يُقْطَعُ.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِأَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّ مِثْلَ هَذَا الثَّوْبِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا تُشَدُّ بِهِ الدَّرَاهِمُ عَادَةً كَانَ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقَطْعُ فَكَذَا فِيمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَلَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا، أَوْ جِرَابًا فِيهِ مَالٌ كَثِيرٌ قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسَّرِقَةِ هُوَ الْمَظْرُوفُ لَا الظَّرْفُ، وَالْمَقْصُودُ مِمَّا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ فَيُقْطَعُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ لَا يُسَاوِي عَشَرَةً، وَفِيهِ مَالٌ عَظِيمٌ عَلِمَ بِهِ اللِّصُّ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَصْلُحُ وِعَاءً لِلْمَالِ الْكَثِيرِ، وَلَا يَصْلُحُ وِعَاءً لِلْيَسِيرِ، فَفِيمَا صَلَحَ وِعَاءً لَهُ يُعْتَبَرُ مَا فِيهِ، لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ مَقْصُودَهُ مَا فِيهِ وَفِيمَا لَا يَصْلُحُ يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ مَقْصُودًا بِالسَّرِقَةِ، وَمَا فِيهِ تَابِعًا لَهُ وَلَا قَطْعَ فِي الْمَقْصُودِ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ فَكَذَا فِي التَّابِعِ؛ لِأَنَّ التَّبَعَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرْط الَّذِي يرجع إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ يَدُ الْمِلْكِ، أَوْ يَدُ الْأَمَانَةِ كَيَدِ الْمُودِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْمُبْضِعِ، أَوْ يَدُ الضَّمَانِ كَيَدِ الْغَاصِبِ، وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَمَّا مِنْ الْمَالِكِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا مِنْ أَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ أَمِينِهِ يَدُهُ فَالْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَالِكِ، فَأَمَّا مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ يَدَهُ عَائِدَةً إلَى الْمَالِكِ إذْ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَكَانَتْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ.

وَضَمَانُ الْغَصْبِ عِنْدَنَا ضَمَانُ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ يَدَ الْمُشْتَرِي، وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ، وَالْمَرْهُونُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ؛ فَيَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ مِنْهُمْ، وَهَلْ يَسْتَوْفِي بِخُصُومَتِهِمْ حَالَ غِيبَةِ الْمَالِكِ؟ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ إذْ لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ، وَلَا يَدَ أَمَانَةٍ، وَلَا يَدَ ضَمَانٍ، فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ دُرِئَ عَنْ الْأَوَّلِ قُطِعَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ صَارَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ، وَيَدُ الضَّمَانِ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَيَدِ الْغَاصِبِ، وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرْط الَّذِي يرجع إلَى الْمَسْرُوقِ فِيهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ فِيهِ، وَهُوَ الْمَكَانُ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي دَارِ الْعَدْلِ فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَدَارِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا عَلَى دَارِ الْبَغْيِ، فَالسَّرِقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِمَا لَا تَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ، وَبَيَانُ هَذَا فِي مَسَائِلِ التُّجَّارِ، أَوْ الْأَسَارَى مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ السَّارِقُ لَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَالسَّرِقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ، فَلَا تَسْتَوْفِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ التُّجَّارُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ، أَوْ الْأَسَارَى فِي أَيْدِيهِمْ إذَا سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

ثُمَّ خَرَجُوا إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَأَخَذَ السَّارِقُ لَمْ يَقْطَعْهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وُجِدَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ السَّرِقَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ جَاءَ لِلْإِمَامِ تَائِبًا، وَقَدْ سَرَقَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَقْطَعْهُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَغَارَ عَلَى مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَسَرَقَ مِنْهُمْ لَمْ يَقْطَعْهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لِعَدَمِ وَلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ تَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَأْخُذُوا أَمْوَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَيَحْبِسُونَهَا عِنْدَهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا، فَكَانَ فِي الْعِصْمَةِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا سَرَقَ مِنْ مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَعَادَ إلَى مُعَسْكَرِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ إبَاحَةَ أَمْوَالِنَا، وَلَهُمْ مَنَعَةٌ، فَكَانَ أَخْذُهُ عَنْ تَأْوِيلٍ فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ كَمَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ سَرَقَ مِنْ إنْسَانٍ مَالًا، وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ، وَيَسْتَحِلُّ دَمَهُ، وَمَالَهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ اعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015