أَوْ سَرَقَ خَادِمُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ وَلَوْ سَرَقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا، أَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَبَانَتْ بِغَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ حِينَ، وُجُودِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ طَارِئَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الطَّارِئُ مُقَارَنًا فِي الْحُكْمِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْحَقِيقَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الِاعْتِبَارِ إسْقَاطُ الْحَدِّ وَقْتَ الِاعْتِبَارِ وَفِي الِاعْتِبَارِ هَهُنَا إيجَابُ الْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُطَلَّقَتِهِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ سَرَقَتْ مُطَلَّقَتُهُ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ أَوْ أَثَرُهُ قَائِمٌ، وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَقِيَامُ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَمْنَعُ الْقَطْعَ فَقِيَامُهُ مِنْ وَجْهٍ، أَوْ قِيَامُ أَثَرِهِ يُورِثُ شُبْهَةً.

وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ، وَجْهَيْنِ: (إمَّا) أَنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَإِمَّا أَنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ؛ لَمْ يُقْطَعْ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مَانِعٌ طَرَأَ عَلَى الْحَدِّ، وَالْمَانِعُ الطَّارِئُ فِي الْحَدِّ كَالْمُقَارَنِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَصِيرُ طَرَيَان الزَّوْجِيَّةِ شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ الْقَطْعِ كَقِرَانِهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا قُضِيَ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ الْقَائِمَةَ عِنْدَ السَّرِقَةِ إنَّمَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْحِرْزِ، أَوْ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فَالطَّارِئَةُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ مَانِعَةً لَكَانَ ذَلِكَ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ، وَإِنَّهَا سَاقِطَةٌ فِي بَابِ الْحُدُودِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الْإِمْضَاءِ كَالْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ، ثُمَّ إنَّ الْمَقْذُوفَ زَنَى قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَجَعَلَ الزِّنَا الْمُعْتَرِضَ عَلَى الْحَدِّ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الطَّارِئَ عَلَى الْحُدُودِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الطَّرَّارِ إذَا طَرَّ الصُّرَّةَ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ فَطَرَّهَا؛ يُقْطَعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَيُقْطَع، وَبِتَفْصِيلِ الْكَلَامِ فِيهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَيَتَّفِقُ الْجَوَابُ، وَهُوَ أَنَّ الطَّرَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقَطْعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَلِّ الرِّبَاطِ، وَالدَّرَاهِمُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ مَصْرُورَةً عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ مَصْرُورَةً فِي بَاطِنِهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّرُّ بِالْقَطْعِ، وَالدَّرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ هُوَ الْكُمُّ.

وَالدَّرَاهِمُ بَعْدَ الْقَطْعِ تَقَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ فَلَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَتْ مَصْرُورَةً فِي دَاخِلِ الْكُمِّ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْقَطْعِ تَقَعُ فِي دَاخِلِ الْكُمِّ، فَكَانَ الطَّرُّ أَخْذًا مِنْ الْحِرْزِ، وَهُوَ الْكُمُّ فَيُقْطَعُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ الطَّرُّ بِحَلِّ الرِّبَاطِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ حَلَّ الرِّبَاطَ تَقَعُ الدَّرَاهِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ بِأَنْ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مَشْدُودَةً مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ إذَا حَلَّ تَقَعُ الدَّرَاهِمُ فِي دَاخِلِ الْكُمِّ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى إدْخَالِ يَدِهِ فِي الْكُمِّ لِلْأَخْذِ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْأَخْذِ مِنْ الْحِرْزِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا يَخْرُجُ النَّبَّاشُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ بِنَفْسِهِ أَصْلًا إذْ لَا تُحْفَظُ الْأَمْوَالُ فِيهِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ لَا يُقْطَعُ، وَلَا حَافِظَ لِلْكَفَنِ لِيُجْعَلَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَبْرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ، وَلَا بِغَيْرِهِ، أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْحِرْزِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حِرْزَ مِثْلِهِ فَلَيْسَ حِرْزًا لِسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي كَوْنِهِ حِرْزًا فَلَا يُقْطَعُ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حِرْزُ مِثْلِهِ، أَوْ حِرْزُ نَوْعِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّهُ: يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حِرْزُ مِثْلِهِ كَالْإِصْطَبْلِ لِلدَّابَّةِ، وَالْحَظِيرَةِ لِلشَّاةِ حَقٌّ لَوْ سَرَقَ اللُّؤْلُؤَةَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْطَعُ.

وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَا كَانَ حِرْزَ النَّوْعِ يَكُونُ حِرْزًا لِلْأَنْوَاعِ كُلِّهَا، وَجَعَلُوا سُرَيْجَةَ الْبَقَّالِ حِرْزًا لِلْجَوَاهِرِ فَالطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ الْعُرْفَ، وَالْعَادَةَ، وَقَالَ: حِرْزُ الشَّيْءِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ عَادَةً، وَالنَّاسُ فِي الْعَادَاتِ لَا يُحْرِزُونَ الْجَوَاهِرَ فِي الْإِصْطَبْلِ، وَالْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ؛ لِأَنَّ حِرْزَ الشَّيْءِ مَا يَحْرُزُ ذَلِكَ الشَّيْءَ حَقِيقَةً، وَسُرَيْجَةُ الْبَقَّالِ تَحْرُزُ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ، وَالْجَوَاهِرَ حَقِيقَةً، فَكَانَتْ حِرْزًا لَهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ نِصَابًا، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّرْطِ يَقَعُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا فِي أَصْلِ النِّصَابِ أَنَّهُ شَرْطٌ أَمْ لَا؟ ، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015