لَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُمْنَعَ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْكَفَّ عَمَّا يُؤْذِي الْجَارَ أَحْسَنُ.

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] خَصَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ، فَلَئِنْ لَا يُحْسِنُ إلَيْهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ أَذَاهُ.

وَعَلَى هَذَا دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَلِرَجُلٍ فِيهَا طَرِيقٌ فَأَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَاهَا، لَيْسَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ مَنْعُهُمَا عَنْ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا بِالْقِسْمَةِ مُتَصَرِّفَانِ فِي مِلْكِ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يُمْنَعَانِ عَنْهُ، فَيَقْتَسِمَانِ مَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ، وَيَتْرُكَانِ الطَّرِيقَ عَلَى حَالِهِ عَلَى سَعَةِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ.

وَلَوْ بَاعُوا الدَّارَ وَالطَّرِيقَ فَإِنْ كَانَتْ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ؛ قَسَمُوا مَمَرَّ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ لِشَرِيكَيْ الدَّارِ وَلِصَاحِبِ الطَّرِيقِ حَقُّ الْمُرُورِ، حَكَى الْقُدُورِيُّ عَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنْ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلشَّرِيكَيْنِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَضْرِبُ بِحَقِّهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الطَّرِيقِ بِحَقِّ الْمُرُورِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَرْصَةِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ، وَيَنْظُرَ إلَى قِيمَتِهَا وَفِيهَا طَرِيقٌ، فَيَكُونَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُ قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ فِيهَا طَرِيقٌ.

(وَجْهُ) مَا حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ مَقْصُودًا بَلْ يَحْتَمِلُهُ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ، فَإِذَا بِيعَ الطَّرِيقُ بِإِذْنِهِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ أَصْلًا فَلَا يُقَابِلُهُ ثَمَنٌ.

(وَجْهُ) مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ مَقْصُودًا بَلْ يَحْتَمِلُهُ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ، وَهَهُنَا مَا بِيعَ مَقْصُودًا بَلْ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَيُقَابِلُهُ الثَّمَنُ، لَكِنْ ثَمَنُ الْحَقِّ لَا ثَمَنُ الْمِلْكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِيهَا مَسِيلُ الْمَاءِ، فَأَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَاهَا لَيْسَ لِصَاحِبِ الْمَسِيلِ مَنْعُهُمَا مِنْ الْقِسْمَةِ؛ لِمَا قُلْنَا، بَلْ يَقْسِمُ الدَّارَ وَيَتْرُكُ الْمَسِيلَ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ مَنْزِلٌ لِرَجُلٍ وَطَرِيقُهُ فِي الدَّارِ، فَأَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَا الدَّارَ لَا يُمْنَعَانِ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَلَكِنْ يَتْرُكَانِ طَرِيقَ الْمَنْزِلِ عَلَى حَالِهِ عَلَى سَعَةِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ، لَا عَلَى سَعَةِ بَابِ الْمَنْزِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَنْ يَفْتَحَ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ بَابًا آخَرَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ الْحَائِطَ كُلَّهُ فَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الْمَنْزِلِ دَارًا مِنْ وَرَاءِ الْمَنْزِلِ وَفَتَحَ بَابَهُ إلَى الْمَنْزِلِ، فَإِنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ وَاحِدًا فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ الدَّارِ إلَى الْمَنْزِلِ، وَمِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الطَّرِيقِ الَّذِي فِي الدَّارِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ غَيْرَ سَاكِنِ الْمَنْزِلِ فَلَيْسَ لِسَاكِنِ الدَّارِ أَنْ يَمُرَّ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي فِي الدَّارِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ فَيُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ فِيهِ.

دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ اقْتَسَمَاهَا، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنْهَا، فَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ بَابًا أَوْ كُوَّةً إلَى السِّكَّةِ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَسَعُ لِأَهْلِ السِّكَّةِ مَنْعُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ رَفْعَ الْحَائِطِ أَصْلًا فَالْبَابُ وَالْكُوَّةُ أَوْلَى.

وَعَلَى هَذَا حَائِطٌ بَيْنَ قَسِيمَيْنِ وَلِأَحَدِ الْقَسِيمَيْنِ عَلَيْهِ جُذُوعُ الْحَائِطِ الْآخَرِ فَإِنْ شَرَطُوا قَطْعَ الْجُذُوعِ فِي الْقِسْمَةِ قَطَعَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .

وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا تُرِكَ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ التَّرْكَ وَإِنْ كَانَ ضَرَرًا لَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطُوا الْقَطْعَ فِي الْقِسْمَةِ فَقَدْ اُلْتُزِمَ الضَّرَرُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ وَقَعَ عَلَى هَذَا الْحَائِطِ دَرَجَةٌ أَوْ أُسْطُوَانَةٌ جُمِعَ عَلَيْهَا جُذُوعٌ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ رَوْشَنًا وَقَعَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ شَرَفًا عَلَى نَصِيبِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُقْلِعَ الرَّوْشَنَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَلْعِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَطْرَافُ خَشَبٍ عَلَى حَائِطِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهَا سَقْفٌ لَمْ يُكَلَّفْ قَلْعُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ كُلِّفَ الْقَلْعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهَا سَقْفٌ أَمْكَنَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَيَلْتَحِقُ بِالْحُقُوقِ، فَأَشْبَهَ الرَّوْشَنَ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَعَذُّرُ إلْحَاقِهَا بِالْحُقُوقِ فَبَقِيَ شَاغِلًا هُوَ لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيُكَلَّفُ قَطْعَهَا، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا مُظِلَّةٌ عَلَى نَصِيبِ الْآخَرِ فَهَلْ تُقْطَعُ؟ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ ضَرَرًا لِصَاحِبِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تُقْطَعُ كَمَا يُقْطَعُ أَطْرَافُ الْخَشَبِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ أَهْلُ طَرِيقٍ فِي الطَّرِيقِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَهُ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، لَا عَلَى ذُرْعَانِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي الْيَدِ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْمُرُورِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ.

دَارٌ لِرَجُلٍ وَفِيهَا طَرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015