عَنْ الشَّهَادَةِ، وَالرُّجُوعُ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ رَجَعَتْ الْفُرُوعُ وَثَبَتَ الْأُصُولُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمْ حَقِيقَةً، وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَثَبَتَ الْفُرُوعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفُرُوعِ لِانْعِدَامِ الرُّجُوعِ مِنْهُمْ، وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأُصُولِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لَا يَجِبُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ، (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْفُرُوعَ لَا يَشْهَدُونَ بِشَهَادَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ فَإِذَا شَهِدُوا فَقَدْ أَظْهَرُوا شَهَادَتَهُمْ، فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَشَهِدُوا ثُمَّ رَجَعُوا، (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ وُجِدَتْ مِنْ الْفُرُوعِ لَا مِنْ الْأُصُولِ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ حَقِيقَةً، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا شَهِدَ الْفُرُوعُ، وَهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِتْلَافُ مِنْ الْأُصُولِ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمْ حَقِيقَةً، فَلَا يَضْمَنُونَ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ عِنْدَهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُصُولِ لِوُجُودِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْفُرُوعِ حَقِيقَةً لَا مِنْ الْأُصُولِ، وَعِنْدَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولُ لِوُجُودِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَلَكِنَّ الْأُصُولَ أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ لِانْعِدَامِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ.
وَيَسْتَوِي فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الرُّجُوعِ رُجُوعُ الشُّهُودِ وَالْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إنَّ الْمُزَكِّينَ لَوْ زَكَّوْا الشُّهُودَ فَشَهِدُوا، وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ ضَمِنُوا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا رُجُوعُ الْمُزَكِّينَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ رُجُوعَ الْمُزَكِّينَ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَيْسَتْ إلَّا بِنَاءً عَنْ الشُّهُودِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ، ثُمَّ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِحْصَانِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ؛؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِوُقُوعِهِ إتْلَافًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ إتْلَافًا بِالتَّزْكِيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا التَّزْكِيَةُ لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ عَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ، فَكَانَتْ إتْلَافًا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطُ كَوْنِ الزِّنَا عِلَّةً، وَالْحُكْمُ لِلْعِلَّةِ لَا لِلشَّرْطِ.
وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ الضَّمَانِ فَالْأَصْلُ أَنَّ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الْإِتْلَافِ؛؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الْإِتْلَافُ، وَالْحُكْمُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ، وَالْعِبْرَةُ فِيهِ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ مِنْ الشُّهُودِ بَعْدَ رُجُوعِ مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بَعْدَ الرُّجُوعِ مَنْ يَحْفَظُ الْحَقَّ كُلَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ لِانْعِدَامِ الْإِتْلَافِ أَصْلًا مِنْ أَحَدٍ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مَنْ يَحْفَظُ بَعْضَ الْحَقِّ وَجَبَ عَلَى الرَّاجِعِينَ ضَمَانُ قَدْرِ التَّالِفِ بِالْحِصَصِ، فَنَقُولُ: بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَالِ؛؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مَحْفُوظٌ بِشَهَادَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَتْ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً، فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا رَجَعَ اثْنَانِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَحْفَظَانِ الْمَالَ، وَلَوْ رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ فَعَلَيْهِمْ نِصْفُ الْمَالِ؛؛ لِأَنَّ النِّصْفَ عِنْدَنَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِمَالٍ، ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ: غَرِمَ نِصْفَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ بَقِيَ بِثَبَاتِ الْمَرْأَتَيْنِ، وَلَوْ رَجَعَتْ الْمَرْأَتَانِ غَرِمَتَا نِصْفَ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِبَقَاءِ النِّصْفِ بِثَبَاتِ الرَّجُلِ، وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالُ، نِصْفُهُ عَلَى الرَّجُلِ، وَرُبُعُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بِبَقَاءِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ الرُّبُعُ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ، وَالرَّجُلُ ضِعْفُ الْمَرْأَةِ فَكَانَ عَلَيْهَا الرُّبُعُ وَعَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ، وَلَوْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَنِصْفُ الْمَالِ عَلَى الرَّجُلِ، وَالنِّصْفُ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ؛؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ فِي الشَّهَادَةِ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؛؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهَا، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ ثُمَّ رَجَعَتْ الْمَرْأَتَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَبْقَى مَحْفُوظًا بِالرَّجُلَيْنِ، وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلَانِ يَضْمَنَانِ نِصْفَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ تَحْفَظَانِ النِّصْفَ، وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ يَحْفَظُونَ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا رُبُعُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلِ، وَثُلُثُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ الرُّبُعَ، وَالرَّجُلُ ضِعْفُ الْمَرْأَةِ فَكَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَوْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثٌ أَيْضًا: ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ، وَثُلُثُهُ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّجُلَ ضِعْفُ الْمَرْأَةِ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَتِهِ ضِعْفَ مَا تَلِفَ بِشَهَادَتِهَا وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ