أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ رَجَعَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى، وَإِمَّا أَنْ رَجَعَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَرَجَعَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى يَضْمَنَانِ لِلْمَوْلَى نُقْصَانَ قِيمَتِهَا، فَتُقَوَّمُ أَمَةً قِنًّا وَتُقَوَّمُ أُمَّ وَلَدٍ: لَوْ جَازَ بَيْعُهَا فَيَضْمَنَانِ النُّقْصَانَ؛؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا هَذَا الْقَدْرَ حَالَ حَيَاتِهِ فَيَضْمَنَانِهِ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، وَيَضْمَنَانِ بَقِيَّةَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا كُلَّ الْجَارِيَةِ، لَكِنَّ بَعْضَهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَالْبَاقِي بَعْدَ الْوَفَاةِ فَيَضْمَنَانِ، كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ وَرَجَعَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا لَهُ، فَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأُمِّ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا، وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْوَلَدَانِ رُجُوعَهُمَا بَاطِلٌ وَأَنَّ مَا أَخَذَ الْأَبُ مِنْهُمَا أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ تَرِكَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْوَارِثِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْأَخِ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا أَخَذَهُ الْأَبُ مِنْهُمَا لِمَا قُلْنَا، وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا قَبَضَ الْأَخُ؛ لِأَنَّ الْأَخَ ظَلَمَ عَلَيْهِمَا فِي زَعْمِهِمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَظْلِمَا عَلَيْهِ، وَلَا ضَمَانَ لِلْأَخِ مَا أَخَذَ هَذَا مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمِيرَاثَ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا إذَا كَانَ الرُّجُوعُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى، فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْأَخِ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ مِنْ قِيمَتِهِمَا لِمَا قُلْنَا، وَيَضْمَنَانِ لِلْأَخِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ نِصْفَ الْوَلَدِ، وَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ مَا أَخَذَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِمَا قُلْنَا، وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا ظُلْمٌ لِلْأَخِ فِي زَعْمِهِمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَظْلِمَا الْوَلَدَ، هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِأَنْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَعَبْدًا وَأَمَةً وَتَرِكَةً، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ وَلَدَتْهُ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَصَدَّقَهُمَا الْوَلَدُ وَالْأَمَةُ، وَأَنْكَرَ الِابْنُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَجَعَلَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعَا: يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَنِصْفَ الْمِيرَاثِ لِلِابْنِ، فُرِّقَ بَيْنَ حَالِ الْحَيَاةِ وَبَيْنَ حَالِ الْمَمَاتِ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَضْمَنَانِ الْمِيرَاثَ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنَّسَبِ حَالَ الْحَيَاةِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً بِالْمَالِ وَالْمِيرَاثِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ أَوَّلًا فَيَرِثَهُ الِابْنُ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الِابْنُ أَوَّلًا وَيَرِثَهُ الْأَبُ، فَلَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِالنَّسَبِ شَهَادَةً بِالْمَالِ وَالْمِيرَاثِ لَا مَحَالَةَ، فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّهَادَةُ إتْلَافًا لِلْمَالِ فَلَا يَضْمَنَانِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْمَالِ لَا مَحَالَةَ فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهِ نِصْفَ الْمِيرَاثِ فَيَضْمَنَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَا: يَضْمَنَانِ لِلْمَوْلَى نُقْصَانَ التَّدْبِيرِ، فَيُقَوَّمُ قِنًّا، وَيُقَوَّمُ مُدَبَّرًا فَيَضْمَنَانِ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ بِشَهَادَتِهِمَا هَذَا الْقَدْرَ فَيَضْمَنَانِهِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرُهُ، وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا بَقِيَّةَ مَالِيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْمُدَبَّرِ عَتَقَ عَلَيْهِ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْوَصَايَا، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عَبْدًا قِنًّا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَا تَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَيَضْمَنُ الشَّاهِدُ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا ثُلُثَ الْعَبْدِ، هَذَا إذَا كَانَتْ السِّعَايَةُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ بِأَنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إذَا أَيْسَرَ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ: " إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِالدُّخُولِ، ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ، وَإِنَّمَا الدُّخُولُ شَرْطٌ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِتْقِ لَا إلَى الشَّرْطِ، فَكَانَ التَّلَفُ حَاصِلًا بِشَهَادَتِهِمَا فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ "، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015