الْخَارِجِ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَمَا خَرَجَ مِنْ الثَّمَرِ فَنِصْفُهُ لِرَبِّ النَّخْلِ وَالسُّدُسُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الثُّلُثِ يَرْجِعُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَبَقِيَ لَهُ السُّدُسُ ضَرُورَةً وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك وَشَرَطَ لَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا وَشَرَطَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي مِثْلَ ذَلِكَ فَهُمَا فَاسِدَانِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ الْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ فَأَنْوَاعٌ ذَكَرْنَاهَا فِي الْمُزَارَعَةِ مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْعَمَلِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَصِحَّ، وَمِنْهَا أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْخَارِجِ لِكَوْنِهِ نَمَاءَ مِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقَ الْعَامِلِ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَصِحَّ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ عَنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يَجِبُ فِي الْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْعَمَلُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُزَارَعَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ وُجُوبَ أَجْرِ الْمِثْلِ فِيهَا لَا يَقِفُ عَلَى الْخَارِجِ بَلْ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الشَّجَرُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَمِنْهَا أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِيهَا يَجِبُ مُقَدَّرًا بِالْمُسَمَّى لَا يَتَجَاوَزُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ تَامًّا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمَّاةً فِي الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّاةً فِي الْعَقْدِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ تَامًّا بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ عُذْرٌ فِي فَسْخِهَا فَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي فِي جَانِبِ الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ سَارِقًا مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ فَيُخَافُ الثَّمَرَ وَالسَّعَفَ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَنْفَسِخُ بِهِ عَقْدُ الْمُعَامَلَةِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا صَرِيحُ الْفَسْخِ، وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ، وَمِنْهَا انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ، وَمِنْهَا مَوْتُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ الْمُعَامَلَةِ الْمُنْفَسِخَةِ فَعَلَى نَحْوِ حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الْمُنْفَسِخَةِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -.
الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الشِّرْبِ لُغَةً وَشَرْعًا وَفِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالشِّرْبُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ - قَالَ {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَفِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الشِّرْبِ بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَزَّ اسْمُهُ - أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ سَيِّدِنَا صَالِحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْقُبْهُ بِالْفَسْخِ فَصَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا مُبْتَدَأَةً، وَبِهَا اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الشِّرْبِ لِجَوَازِ قِسْمَةِ الشِّرْبِ بِالْأَيَّامِ وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ الشِّرْبِ وَالسَّقْيِ وَأَمَّا بَيَانُ.
أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ فَنَقُولُ: الْمِيَاهُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ: الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ وَالثَّانِي الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْعُيُونِ وَالثَّالِثُ مَاءُ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ الَّتِي تَكُونُ لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ وَالرَّابِعُ: مَاءُ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ كَجَيْحُونَ وَسَيَحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهَا أَمَّا بَيَانُ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا عَلَى الْقِسْمَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ الْمُبَاحَ يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ كَمَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَكَذَا السَّقَّاءُونَ يَبِيعُونَ الْمِيَاهَ الْمَحْرُوزَةَ فِي الظُّرُوفِ، بِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْأَمْصَارِ وَفِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَيَشْرَبَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ.
وَلَوْ خَافَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْعَطَشِ فَسَأَلَهُ فَمَنَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ هَذَا دَفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِهْلَاكِ غَيْرِهِ لَا بِقَصْدِ إهْلَاكِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ مَاءٍ عَنْ حَاجَتِهِ فَلِلْمَمْنُوعِ أَنْ يُقَاتِلَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْفَضْلَ لَكِنْ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ، كَمَا إذَا أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ وَعِنْدَ صَاحِبِهِ فَضْلُ طَعَامٍ فَسَأَلَهُ فَمَنَعَهُ وَهُوَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِصَاحِبٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَكِنْ لَهُ حَقٌّ خَاصٌّ فِيهِ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْأَصْلِ خُلِقَ مُبَاحًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -