قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ، سَعَى فِي خَمْسِمِائَةٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ.
(أَمَّا) اخْتِيَارُ الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ فَلِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالْإِعْتَاقِ.
(وَأَمَّا) وِلَايَةُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ؛ فَلِأَنَّ بِالرَّهْنِ صَارَتْ مَالِيَّةُ هَذَا الْعَبْدِ مَمْلُوكَةً لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ فَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْمَالِيَّةُ مُحْتَبَسَةً عِنْدَ الْعَبْدِ، فَوَصَلَتْ إلَى الْعَبْدِ بِالْإِتْلَافِ مَالِيَّةٌ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَخْرِجَهَا مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنَّمَا الْعَبْدُ جُعِلَ مَحَلًّا لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الرَّاهِنِ عَلَى مَا هُوَ مَوْضُوعُ الرَّهْنِ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ التَّعَذُّرِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّهْنِ، كَمَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالتَّعَذُّرِ عِنْدَ إعْسَارِ الرَّاهِنِ لَا عِنْدَ يَسَارِهِ، فَيَسْعَى فِي حَالِ الْإِعْسَارِ لَا فِي حَالِ الْيَسَارِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُفْلِسٌ، لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِالثَّمَنِ، كَالْمَرْهُونِ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِنَفْسِ الْبَيْعِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُوجَدْ احْتِبَاسُ مَالِيَّةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا لِلْبَائِعِ مُجَرَّدُ حَقِّ الْحَبْسِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْحَبْسِ بِالْإِعْتَاقِ، بَطَلَ حَقُّ الْحَبْسِ أَصْلًا وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَحَسْبُ، أَمَّا هَهُنَا فَبِخِلَافِهِ.
(وَأَمَّا) السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ مُحْتَبَسَةً عِنْدَ الْعَبْدِ، فَتُقَدَّرُ السِّعَايَةُ بِقَدْرِ الِاحْتِبَاسِ، ثُمَّ إذَا سَعَى الْعَبْدُ، يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ الرَّاهِنِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةَ وَالْقَاضِي أَلْزَمَهُ، وَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ مُضْطَرًّا مِنْ مَالِ نَفَسِهِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَالْوَارِثِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفَسِهِ، أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ كَذَا هَذَا، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ السِّعَايَةِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ نَقَصَ الْعَبْدُ فِي السِّعْرِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَقْتَ الرَّهْنِ أَلْفًا، فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ حَتَّى عَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إلَّا قَدْرُ خَمْسِمِائَةٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي وَلَوْ لَمْ يَنْقُصْ الْعَبْدُ فِي السِّعْرِ وَلَكِنَّهُ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَدُفِعَ مَكَانَهُ، فَأَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دُفِعَ بِهِ فَقَدْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا فَصَارَ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْمَالِ، كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ إلَى مِائَةٍ؛، فَأَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ.
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَسَعَى فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَيَا فِي أَلْفٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِمَا أَلْفٌ.
وَلَوْ لَمْ تَلِدْ وَلَكِنْ قَتَلَهَا عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَدُفِعَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى سَعَى فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا بِهَذَا الْقَدْرِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَقْتُولَةِ لَحْمًا وَدَمًا، وَهِيَ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِهَذَا الْقَدْرِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ: رَهَنْتُكَ عِنْدَ فُلَانٍ، وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ مُعْسِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، وَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُرِيدُ إلْزَامَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ " فِي إلْزَامِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ " غَيْرُ مَقْبُولٍ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَصِحُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ لِلْحَالِ إنْشَاءَهُ لِزَوَالِ مِلْكِ الْوِلَايَةِ بِالْإِعْتَاقِ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ، فَأَمَّا إذَا دَبَّرَهُ فَيَجُوزُ تَدْبِيرُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا، أَمَّا جَوَازُ التَّدْبِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِجَوَازِ الْإِعْتَاقِ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ قَائِمٌ بَعْدَ الرَّهْنِ.
(وَأَمَّا) خُرُوجُهُ عَنْ الرَّهْنِ؛ فَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَصْلُحُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَالًا مُطْلَقًا شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَبِالتَّدْبِيرِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُطْلَقًا فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَصْلُحْ رَهْنًا ابْتِدَاءً فَكَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَهَلْ يَسْعَى لِلْمُرْتَهِنِ؟ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى.
(وَأَمَّا) إذَا كَانَ مُوسِرًا، ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ