وَهُوَ عَيْنٌ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ جَازَ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَصَالَحَ مِنْهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبِيعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُوبِلَ بِالْأَثْمَانِ، وَالْمَبِيعُ مَا يُقَابِلُ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يُقَابِلُ بِالثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ احْتِرَازًا مِنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا؛ جَازَ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا يَجُوزُ فِي الثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لَكِنْ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطُ احْتِرَازٍ عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَوْزُونًا دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَصَالَحَ مِنْهُ عَلَى جِنْسِهِ أَوْ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَكِيلِ الْمَوْصُوفِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ.

فَإِنْ كَانَ ثَوْبَ السَّلَمِ فَصَالَحَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ (إمَّا) إنْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى جِنْسِهِ، وَإِمَّا إنْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ؛ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

(إمَّا) إنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ؛ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا، أَوْ وَصْفًا لَا قَدْرًا يَجُوزُ، وَيَكُونُ هَذَا اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ عَيْنِ حَقِّهِ، وَحَطًّا لِلْبَاقِي، وَإِبْرَاءً عَنْهُ أَصْلًا وَوَصْفًا، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ رَدِيءٍ عَلَى نِصْفِ ثَوْبٍ جَيِّدٍ؛ جَازَ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِينَ بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ، أَوْ صَالَحَ مِنْ كُرٍّ رَدِيءٍ عَلَى نِصْفِ كُرٍّ جَيِّدٍ، أَوْ صَالَحَ مِنْ حَدِيدٍ رَدِيءٍ عَلَى نِصْفٍ مِنْ جَيِّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ هُوَ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْجَوْدَةِ هُنَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُقَابِلَتِهَا بِجِنْسِهَا لَهَا قِيمَةٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْجَوْدَةُ مُتَقَوِّمَةً فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ يُبْذَلُ الْعِوَضُ فِي مُقَابِلَتِهَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ تَعَبُّدًا بِقَوْلِهِ جَيِّدُهَا، وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ، فَبَقِيَتْ مُتَقَوِّمَةً فِي غَيْرِهَا عَلَى الْأَصْلِ فَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ عَلَى ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ جَيِّدَيْنِ يَجُوزُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْض لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ عَنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ عَلَى ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ رَدِيئَيْنِ جَازَ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ رَدِيءٍ عَلَى ثَوْبٍ جَيِّدٍ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ عَيْن الْحَقّ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَائِنًا مَا كَانَ لَا يَجُوزُ دَيْنًا كَانَ، أَوْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْدَالَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهِ يَكُونُ إقَالَةً، وَفَسْخًا لَا اسْتِبْدَالًا.

وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى حَيَوَانًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ فَصَالَحَ، فَنَقُولُ الْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ.

(إمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى مَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي بَابِ الدِّيَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

(وَإِمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ فِي الْبَابِ أَصْلًا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ صَالَحَ قَبْلَ تَعْيِينِ الْقَاضِي نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ بَعْدَ تَعْيِينِهِ نَوْعًا مِنْهَا، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى الْمَفْرُوضِ قَبْلَ تَعْيِينِ الْقَاضِي بِأَنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ عَلَى مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَلَى مِائَةِ بَقَرَةٍ، أَوْ عَلَى أَلْفَيْ شَاةٍ، أَوْ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ؛ جَازَ الصُّلْحُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْيِينٌ مِنْهَا لِلْوَاجِبِ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْمَفْرُوضَةِ بِمَنْزِلَةِ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَيَجُوزُ، وَيَكُونُ اسْتِيفَاءً لَعَيْنِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ فِعْلًا بِرِضَا الْقَاتِلِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْمَفْرُوضِ يَكُونُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ عَيْنِ الْحَقِّ، وَإِبْرَاءً عَنْ الْبَاقِي، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْمَفْرُوضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبًا.

وَلَوْ صَالَحَ بَعْدَ مَا عَيَّنَ الْقَاضِي نَوْعًا مِنْهَا فَإِنْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ جَازَ إذَا كَانَ مِثْلُهُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَفْرُوضِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ عَيَّنَ الْقَاضِي مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَصَالَحَ عَلَى مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرِ، أَوْ أَكْثَرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015