بِإِثْبَاتِ تَوَابِعِ الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظُّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ، وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ إثْبَاتُ أَصْلِ الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ، وَإِثْبَاتُ التَّوَابِعِ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ هُوَ الْوِلَايَةُ؛ لِأَنَّهَا عِلَّةُ نَفَاذِهِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ.
وَالْمُوَكِّلُ أَصْلٌ فِي الْوِلَايَةِ، وَالْوَكِيلُ تَابِعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ بَلْ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمُوَكِّلِ، فَكَانَ إثْبَاتُ أَصْلِ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِثْبَاتُ التَّوَابِعِ لِلْوَكِيلِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ حَدُّ الْحِكْمَةِ، وَعَكْسُهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُوَ حَدُّ السَّفَهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُنَاكَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ بَلْ هُوَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ، بَلْ إلَى مُوَكِّلِهِ؟ فَانْعَدَمَتْ النِّيَابَةُ، فَبَقِيَ سَفِيرًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ الْعَقْدُ مَوْجُودًا مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، ثُمَّ نَقُولُ: إنَّمَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ، وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعُهْدَةِ، (فَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا مَحْجُورًا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعِ؛ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، لِكَوْنِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ، فَيَقَعُ مَحْضًا لِحُصُولِ التَّجْرِبَةِ وَالْمُمَارَسَةِ لَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ الْمَحْجُورِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الرِّضَا شَرْطُ جَوَازِ التِّجَارَةِ، وَقَدْ اخْتَلَّ الرِّضَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْعَقْدِ، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْعَاقِدِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ اخْتَلَّ رِضَاهُ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ (وَجْهُ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الْجَهْلَ بِالْحَجْرِ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ، خُصُوصًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ هُوَ الْحَجْرُ، وَالْإِذْنُ يُعَارِضُ الرُّشْدَ، فَكَانَ سَبَبُ الْوُصُولِ إلَى الْعِلْمِ قَائِمًا، فَالْجَهْلُ بِهِ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَيُعْتَبَرُ عَالِمًا.
وَلَوْ عَلِمَ بِالْحَجْرِ حَقِيقَةً لَمَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَبَضَ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِرَدِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى يَدِهِ وَلَا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَالرَّهْنَ وَلَا الْقَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا صُنْعَ لِلْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ، بَلْ هُوَ صُنْعُ الْقَابِضِ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْمَوْلَى، فَكَانَتْ حُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةً إلَيْهِ، وَكَانَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ.
بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لِلْعَقْدِ لَا لِلْقَبْضِ، وَهُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا عَلَى مَا قَرَّرْنَا فَكَانَتْ الْحُقُوقُ عَائِدَةً إلَيْهِ وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِعَارَةِ، وَالِارْتِهَانِ وَالِاسْتِيهَابِ، الْحُكْمُ وَالْحُقُوقُ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ.
وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا.
وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحُقُوقِ، وَالْمَالِكُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا فَمَلَكَ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ فِيهَا (وَمِنْهَا) : أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بِجِهَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبْضِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ - أَمَانَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نِيَابَةٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الْمُودِعِ، فَيَضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ فِي الْوَدَائِعِ، وَيَبْرَأُ بِمَا يَبْرَأُ فِيهَا، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ: اقْضِهِ فُلَانًا عَنْ دَيْنِي فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ قَضَيْتُ صَاحِبَ الدَّيْنِ، فَادْفَعْهُ إلَيَّ وَكَذَّبَهُ، صَاحِبُ الدَّيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ دَيْنُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فَيُصَدَّقُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْغَرِيمِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ، وَتَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُوَكِّلِ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا، وَتَكْذِيبِ الْآخَرِ، فَيَحْلِفُ الْمُكَذَّبُ مِنْهُمَا دُونَ الْمُصَدَّقِ.
فَإِنْ صُدِّقَ الْوَكِيلُ فِي الدَّفْعِ، يَحْلِفُ الطَّالِبُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَبَضَهُ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَظْهَرْ قَبْضُهُ، وَلَمْ يَسْقُطْ دَيْنُهُ، وَإِنْ نَكَلَ ظَهَرَ قَبْضُهُ وَسَقَطَ دَيْنُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ صُدِّقَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَكُذِّبَ الْوَكِيلُ، يَحْلِفُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - لَقَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْدَعَ مَالَهُ رَجُلًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ، فَقَالَ الْمُودَعُ: دَفَعْتُ، وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
وَلَوْ دَفَعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ إلَى رَجُلٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ الْأَمْرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَمْرَ، وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى رَجُلٍ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ، فَأَمَرَ الطَّالِبُ، أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ: قَدْ دَفَعْتُ إلَيْهِ، وَقَالَ فُلَانٌ: مَا قَبَضْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ