عَلَى الطَّرِيِّ الْكِبَارِ دُونَ الْمَالِحِ وَالصِّغَارِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ شِرَاءُ الطَّرِيِّ الْكِبَارِ مِنْهُ دُونَ الْمَالِحِ وَدُونَ الصِّغَارِ؛ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الرَّأْسِ فَهُوَ عَلَى النِّيءِ دُونَ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ، وَهُوَ عَلَى رَأْسِ الْغَنَمِ دُونَ الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ، إلَّا فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَدُونَ رَأْسِ الْعُصْفُورِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِانْعِدَامِ الْعَادَةِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دُهْنٍ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ دُهْنٍ شَاءَ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَاكِهَةٍ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ فَاكِهَةٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ عَادَةً؛ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْبَيْضِ فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الدَّجَاجِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ عَلَيْهِ تَقَعُ عَلَى بَيْضِ الطُّيُورِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَبَنًا فَهُوَ عَلَى مَا يُبَاعُ فِي عَادَةِ الْبَلَدِ فِي السُّوقِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ السَّمْنِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَذُوقُ لَبَنًا إنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعُرْفِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الْكَبْشِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَ النَّعْجَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ الْكَبْشَ اسْمٌ لِلذَّكَرِ، وَالنَّعْجَةُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَنَاقٍ، فَاشْتَرَى جَدْيًا، أَوْ شِرَاءِ فَرَسٍ، أَوْ بِرْذَوْنٍ، فَاشْتَرَى رَمَكَةً، لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
وَالْبَقَرُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَكَذَا الْبَقَرَةُ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] قِيلَ: إنَّهَا كَانَتْ ذَكَرًا وَقَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} [البقرة: 71] وَإِثَارَةُ الْأَرْضِ عَمَلُ الثِّيرَانِ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى.
وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَالدَّجَاجُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالدَّجَاجَةُ عَلَى الْأُنْثَى، وَالْبَعِيرُ عَلَى الذَّكَرِ، وَالنَّاقَةُ عَلَى الْأُنْثَى، وَالْبُخْتِيُّ ضَرْبٌ خَاصٌّ مِنْ الْإِبِلِ، وَالنَّجِيبَةُ ضَرْبٌ مَعْرُوفٌ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ، وَهِيَ كَالْحِمَارَةِ فِي عُرْفِ بِلَادِنَا، وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْبَقَرِ عَلَى الْجَامُوسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْبَقَرِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ نِصَابُ الزَّكَاةِ لِبُعْدِهِ عَنْ أَوْهَامِهِمْ لِقِلَّتِهِ فِيهِمْ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ، فَاشْتَرَى إنْ فَعَلَهُ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِإِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً عَلَى مَا مَرَّ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
الْوَكِيلَانِ هَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ؟ أَمَّا الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفَ بِدُونِ صَاحِبِهِ.
وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يُجِيزَ صَاحِبُهُ أَوْ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَلَمْ يُمْتَثَلْ أَمْرُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ.
وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الْآخَرُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَفِي الْبَيْعِ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ.
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ، وَالْكِتَابَةِ، وَكُلِّ عَقْدٍ فِيهِ بَدَلٌ هُوَ مَالٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ.
وَكَذَا مَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّمْلِيكِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي بِيَدِكُمَا، أَوْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا، لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّطْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ الْيَدِ تَمْلِيكًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ وَالتَّمْلِيكَاتُ هِيَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ، وَالتَّمْلِيكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوطٌ بِالْمَشِيئَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا وَهُنَاكَ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّطْلِيقَ دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْبِضَ دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَالْأَمَانَةِ، وَقَدْ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا لَا إلَى أَحَدِهِمَا وَرَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُبَرِّئْهُ الْغَرِيمُ حَتَّى يَصِلَ مَا قَبَضَهُ إلَى صَاحِبِهِ، فَيَقَعُ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يَصِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الْمَقْبُوضُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَبَضَاهُ جَمِيعًا ابْتِدَاءً.
(وَأَمَّا) الْوَكِيلَانِ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، وَالْعِتْقُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَالْوَكِيلَانِ بِتَسْلِيمِ الْهِبَةِ وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِمَّا لَا تَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ، فَكَانَ إضَافَةُ التَّوْكِيلِ إلَيْهِمَا تَفْوِيضًا لِلتَّصَرُّفِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ.
(وَأَمَّا) الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ بِانْفِرَادِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْفَرِدُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْخُصُومَةَ مِمَّا يَحْتَاجُ، إلَى الرَّأْيِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، فَلَا يَمْلِكُهَا أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ