وَثِيقَةً وَالْحُدُودُ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يُنَاسِبُهَا التَّوْثِيقُ بِالْجَبْرِ عَلَى الْكَفَالَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَبْسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ قَبْلَ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ وَالْحَبْسُ تَوْثِيقٌ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ لَا لِلتَّوْثِيقِ لِأَنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ لَا تَخْلُو عَنْ إيرَاثِ تُهْمَةٍ فَكَانَ الْحَبْسُ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ دُونَ التَّوْثِيقِ وَيَجُوزُ الْجَبْرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِي التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لِكَوْنِهِ حَقَّ الْعَبْدِ.

(وَأَمَّا) الدَّيْنُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ مَقْدُورُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ لِيَكُونَ الْعَقْدُ مُفِيدًا فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا تُفِيدُ الْكَفَالَةُ فَائِدَتَهَا وَهَهُنَا شَرْطٌ ثَالِثٌ لَكِنَّهُ يَخُصُّ الدَّيْنَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الدَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّعْجِيزِ لَا بِالْكَسْبِ فَلَوْ أَجَزْنَا الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَكَانَ لَا يَخْلُو (إمَّا) أَنْ يَمْلِكَ الْكَفِيلُ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يَمْلِكُ الْأَصِيلُ (وَإِمَّا) أَنْ لَا يَمْلِكَ فَإِنْ مَلَكَ لَا تُفِيدُ الْكَفَالَةُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْتِزَامَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّصَرُّفُ كَفَالَةً وَلِأَنَّا لَوْ أَجَزْنَا هَذِهِ الْكَفَالَةَ لَكَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ أَلْزَمَ مِنْهُ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ عَاجِزًا بَطَلَ عَنْهُ الدَّيْنُ.

وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ عَاجِزًا مُفْلِسًا لَمْ يَبْطُلْ عَنْهُ الدَّيْنُ فَكَانَ الْحَقُّ عَلَى الْكَفِيلِ أَلْزَمَ مِنْهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهَذَا خِلَافُ مَا تُوجِبُهُ الْأُصُولُ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ جَوَازُهَا بِالْعُرْفِ فَلَا تَجُوزُ فِيمَا لَا عُرْفَ فِيهِ وَلَا عُرْفَ فِي الْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ بِسَائِرِ الدُّيُونِ سِوَى دَيْنِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الدُّيُونِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ بِمَشِيئَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا لُزُومُ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ فَكَانَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ أَصْلًا لِوُجُوبِ دَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ بِالْأَصْلِ فَلَأَنْ لَا تَجُوزَ بِالْفَرْعِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ حُرٍّ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَعْلُومَ الذَّاتِ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَالَاتِ أَوْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ فِي الدَّيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَفَلَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ بِأَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ جَازَ وَعَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَيَّهُمَا شَاءَ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مَقْدُورَةُ الدَّفْعِ بِالْبَيَانِ فَلَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْكَفَالَةِ وَكَذَا إذَا كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ بِنَفْسِ رَجُلٍ آخَرَ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ جَازَ وَيَبْرَأُ بِدَفْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الطَّالِبِ.

وَلَوْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُهُ فِي هَذَا الْبَيْعِ جَازَ لِأَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَجَازَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ الْكَفَالَةَ بِحِمْلِ الْبَعِيرِ مَعَ أَنَّ الْحِمْلَ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ ضَمَانُ الدَّرْكِ وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعُهْدَةَ تَحْتَمِلُ الدَّرْكَ وَتَحْتَمِلُ الصَّحِيفَةَ وَهُوَ الصَّكُّ وَأَحَدُهُمَا وَهُوَ الصَّكُّ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَدَارَتْ الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الشَّكِّ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ بَلْ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي وُجُودِ شَرْطِ الْجَوَازِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ وَضَمَانُ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ يُخَاصِمُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَوَّلًا فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ الْكَفِيلُ يَكُونُ خَصْمًا هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَا سِوَى الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَظَهَر أَنَّهُ حُرٌّ بِالْبَيِّنَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُخَاصِمَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ.

وَلَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا سِوَى الِاسْتِحْقَاقِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الدَّرْكِ.

وَلَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي رَهْنًا بِالدَّرْكِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالدَّرْكِ وَالْفَرْقُ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ بِنَاءً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَنُقِضَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ بِنَائِهِ مَبْنِيًّا إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ إلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَا يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا بِالثَّمَنِ خَاصَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالتَّالِفِ وَلَوْ سَلَّمَ النَّقْضَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015