وَاللَّبَنِ وَالْقَصَبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ، فَرْقٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ الشُّرْبَ وَالْمَسِيلَ وَالطَّرِيقَ الْخَاصَّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَفِي الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ بِدُونِهِ.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَأْجَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ الْحُقُوقِ فَصَارَتْ الْحُقُوقُ مَذْكُورَةً بِذِكْرِ الْمُسْتَأْجِرِ دَلَالَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُعْقَدُ لِلْمِلْكِ، وَالِانْتِفَاعُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَكَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ: فَإِنَّ مَنْ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ وَأَشْجَارٌ عَلَيْهَا ثِمَارٌ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْحُقُوقِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ تَمْيِيزَ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِهِ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّهْنِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ فَمَتَى أَقْدَمَا عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ فَقَدْ قَصَدَا صِحَّتَهُ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِدُخُولِ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَرْهُونِ فَدَخَلَ فِيهِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ؛ إذْ لَا صِحَّةَ بِدُونِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ تَمْيِيزَ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ، فَلَا ضَرُورَةَ فِي الدُّخُولِ بِغَيْرِ التَّسْمِيَةِ فَلَا يَدْخُلُ بِدُونِهَا هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا أَوْ كَرْمًا.
فَإِنْ كَانَ دَارًا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا جَمِيعُ مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ بَيْتٍ وَمَنْزِلٍ وَعُلُوٍّ وَسُفْلٍ وَجَمِيعِ مَا تَجْمَعُهُ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ قَرِينَةٍ، وَتَدْخُلُ أَغَالِيقُ الدَّارِ وَمَفَاتِيحُ أَغَالِيقِهَا، أَمَّا الْأَغَالِيقُ فَلِأَنَّهَا رُكِّبَتْ لِلْبَقَاءِ لَا لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ فَتَدْخُلُ كَالْمِيزَابِ وَأَمَّا الْمَفَاتِيحُ فَلِأَنَّ مِفْتَاحَ الْغَلَقِ مِنْ الْغَلَقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْغَلَقَ دَخَلَ الْمِفْتَاحُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُخُولِ الْغَلَقِ وَيَدْخُلُ طَرِيقُهَا إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَطَرِيقُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، كَمَا يَدْخُلُ فِي الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَيَدْخُلُ الْكَنِيفُ وَالشَّارِعُ وَالْجَنَاحُ؟ كُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَهَلْ تَدْخُلُ الظُّلَّةُ؟ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ؛ لَا تَدْخُلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ؛ لَا تَدْخُلُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَدْخُلُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَتْ مَفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ كَانَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ فَتَدْخُلُ بِبَيْعِ الدَّارِ كَالْجَنَاحِ وَالْكَنِيفِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ظُلَّةَ الدَّارِ خَارِجَةٌ عَنْ حُدُودِهَا فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُظِلُّ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ خَارِجًا مِنْهَا فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ بَيْعِ الدَّارِ كَالطَّرِيقِ الْخَارِجِ وَبِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ ظُلَّتَهَا لَا يَحْنَثُ وَأَمَّا مَا كَانَ لَهَا مِنْ بُسْتَانٍ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ دَاخِلَ حَدِّ الدَّارِ يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ يَلِي الدَّارَ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلدَّارِ وَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يُمْكِنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْكُمُ الثَّمَنُ فَإِنْ صَلَحَ لَهُمَا يَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ وَأَمَّا مَسِيلُ الْمَاءِ وَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ وَحَقُّ إلْقَاءِ الثَّلْجِ فَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ يَدْخُلُ، وَكَذَا إنْ ذَكَرَ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا وَمِنْهَا سَوَاءٌ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَتَدْخُلُ الظُّلَّةُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ إذَا كَانَ مَفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ.
وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ حَوَائِطُهُ وَسَقْفُهُ وَبَابُهُ وَالطَّرِيقُ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ وَالطَّرِيقُ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ قَرِينَةٍ وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ أَحَدِ الْقَرَائِنِ الثَّلَاثِ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتُ الْعُلْوِ إنْ كَانَ عَلَى عُلْوِهِ بَيْتٌ وَإِنْ ذَكَرَ الْقَرَائِنَ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ بَيْتٌ مِثْلُهُ فَكَانَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عُلْوِهِ بَيْتٌ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلْوِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ فِي دَارِهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ طَرِيقُهُ فِي الدَّارِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَيْتُ يَلِي الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ يَفْتَحُ لَهُ بَابًا إلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَلِي الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الطَّرِيقَ إلَيْهِ أَوْ يَسْتَعِيرَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقِسْمَةِ إذَا أَصَابَ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ بَيْتٌ أَوْ مَنْزِلٌ أَوْ نَاحِيَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ طَرِيقٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُ الْبَابِ إلَى الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَطَرَّقَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ ذَكَرُوا فِي الْقِسْمَةِ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ أَوْ لَا وَكَذَا إذَا كَانَ مَسِيلُ مَائِهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ انْقَطَعَ ذَلِكَ الْحَقُّ إنْ أَمْكَنَهُ تَسْيِيلٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ؛ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَيِّلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْيِيلُ الْمَاءِ وَلَا فَتْحُ الْبَابِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرُوا فِي الْقِسْمَةِ الْحُقُوقَ أَوْ الْمَرَافِقَ فَالطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ يَدْخُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلَانِ وَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَتْمِيمِ الْمَنْفَعَةِ وَتَكْمِيلِهَا