جَازَ بِإِجَازَةِ وَلِيِّهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِإِجَازَةِ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّهُ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَالْبُلُوغُ لَيْسَ صُنْعَهُ، فَلَا يَعْقِلُ إجَازَةً، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ الصَّبِيُّ، وَكِيلًا بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ أَوْ بَعْدَهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إلَّا التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ فَأَجَازَ التَّوْكِيلَ، ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونَ الشِّرَاءُ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْوَكَالَةِ مِنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ لَا لِلْوَكِيلِ كَذَا هَذَا، وَبِمِثْلِهِ إذَا طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَالَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ عَلَى مَالٍ أَوْ وَهَبَ مَالَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمُحَابَاةٍ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مِمَّا فَعَلَهُ، وَلِيُّهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ أَجَازَ وَلِيُّهُ أَوْ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُجُودِهَا، فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، إلَّا إذَا أَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِنْشَاءِ بِأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ: أَوْقَعْتُ ذَلِكَ الطَّلَاقَ، أَوْ ذَلِكَ الْعَتَاقَ فَيَجُوزَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ إنْشَاءَ الْإِجَازَةِ وَلَوْ وَكَّلَ الصَّبِيُّ وَكِيلًا بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَفَعَلَ الْوَكِيلُ يُنْظَرُ، إنْ فَعَلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يَتَوَقَّفْ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ فَعَلَ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ، فَكَذَا إذَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ، وَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْفُضُولِيِّ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَأَجَازَ التَّوْكِيلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ الْوَكِيلُ شَيْئًا ثُمَّ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ التَّوْكِيلِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَائِهِ، وَكَذَا وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُجُودِهِ.

أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ؟ فَلَا يَتَوَقَّفُ، وَسَوَاءٌ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَضَافَهَا إلَى حَالِ الْبُلُوغِ؛ لِمَا قُلْنَا حَتَّى لَوْ أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، أَوْ بَعْدَهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ إلَّا إذَا بَلَغَ، وَأَجَازَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ صَحَّ كَذَا هَذَا.

وَعَلَى هَذَا تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنَّ مَا لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُجُودِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَةَ وُجُودِهِ يَبْطُلُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ، وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَالصَّبِيِّ فَرْقًا مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ أَوْ الْمَأْذُونَ إذَا فَعَلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ بِأَنْ زَوَّجَ نَفْسَهُ امْرَأَةً ثُمَّ عَتَقَ يَنْفُذُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَفِي الصَّبِيِّ لَا يَنْفُذُ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ مَا لَمْ تُوجَدْ الْإِجَارَةُ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْإِذْنِ يَتَصَرَّفُ بِمَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا عَرَفَ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ لِلْحَالِ، إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا عَتَقَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ فِي أَهْلِيَّتِهِ قُصُورًا لِقُصُورِ عَقْلِهِ فَانْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالْبُلُوغُ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ عَلَى مَا مَرَّ.

(وَأَمَّا) حُكْمُ شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ، وَإِمَّا إنْ أَضَافَهُ إلَى الَّذِي اشْتَرَى لَهُ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ سَوَاءٌ وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ مِنْ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ نَفَذَ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى عَزَّ مِنْ قَائِلٍ - {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 286] .

وَقَالَ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ - {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] ، وَشِرَاءُ الْفُضُولِيِّ كَسْبَهُ حَقِيقَةٌ، فَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ بِأَنْ كَانَ الْفُضُولِيُّ صَبِيًّا مَحْجُورًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا فَاشْتَرَى لِغَيْرِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَيْهِ فَيَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ ضَرُورَةً فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ، وَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ لُزُومِ الْعُهْدَةِ، وَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الَّذِي اشْتَرَى لَهُ بِأَنْ قَالَ الْفُضُولِيُّ لِلْبَائِعِ: بِعْ عَبْدَكَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا، فَقَالَ: بِعْتُ، وَقَبِلَ الْفُضُولِيُّ الْبَيْعَ فِيهِ لِأَجْلِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا، وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ مِنْهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ الْوَكَالَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَهُنَا جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ.

وَلَوْ قَالَ الْفُضُولِيُّ لِلْبَائِعِ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ، فَقَالَ: بِعْتُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْفُضُولِيِّ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ لَا يَتَوَقَّفُ، وَيَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى فُلَانٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015