بِنَفْسِهِ فَيَعُودُ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى وَإِعَادَةُ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ إلَى مَكَانِهِ لِيَلْتَئِمَ جَائِزٌ كَمَا إذَا قُطِعَ شَيْءٌ مِنْ عُضْوِهِ فَأَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَأَمَّا سِنُّ غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ إهَانَةٌ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَالْآدَمِيُّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ وَلَا إهَانَةَ فِي اسْتِعْمَالِ جُزْءِ نَفْسِهِ فِي الْإِعَادَةِ إلَى مَكَانِهِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ السِّنَّ مِنْ الْآدَمِيِّ جُزْءٌ مِنْهُ فَإِذَا انْفَصَلَ اسْتَحَقَّ الدَّفْنَ كُلَّهُ وَالْإِعَادَةُ صَرْفٌ لَهُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا تَجُوزُ وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ سِنِّهِ وَسِنِّ غَيْرِهِ.
(وَمِنْهَا) الْفِضَّةُ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ بِتَحْرِيمِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ يَكُونُ وَارِدًا بِتَحْرِيمِ الْفِضَّةِ دَلَالَةً فَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ اسْتِعْمَالُهَا فِي جَمِيعِ مَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الذَّهَبِ فِيهِ إلَّا التَّخَتُّمَ بِهِ إذَا ضُرِبَ عَلَى صِيغَةِ مَا يَلْبِسُهُ الرِّجَالُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الْمِثْقَالِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَذَا الْمِنْطَقَةُ وَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ مِنْ الْفِضَّةِ لِمَا مَرَّ وَمَا لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الذَّهَبِ فِيهِ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْفِضَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَخَفُّ حُرْمَةً مِنْ الذَّهَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فَلَا نُعِيدُهُ.
(وَأَمَّا) التَّخَتُّمُ بِمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالصِّفْرِ فَمَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ.
(وَأَمَّا) الْأَوَانِي الْمُمَوَّهَةُ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّذِي لَا يَخْلُصُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِالسَّرْجِ وَالرِّكَابِ وَالسِّلَاحِ وَالسَّرِيرِ وَالسَّقْفِ الْمُمَوَّهِ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَخْلُصُ؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الْبُيُوعِ)
الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ رُكْنِ الْبَيْعِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْبَيْعِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْبَيْعِ.
(وَأَمَّا) رُكْنُ الْبَيْعِ: فَهُوَ مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ (أَمَّا) الْقَوْلُ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْكَلَامُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي صِيغَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالثَّانِي فِي صِفَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ قَدْ يَكُونُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَقَدْ يَكُونُ بِصِيغَةِ الْحَالِ (أَمَّا) بِصِيغَةِ الْمَاضِي فَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُ وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ، فَيَتِمَّ الرُّكْنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَاضِي وَضْعًا، لَكِنَّهَا جُعِلَتْ إيجَابًا لِلْحَالِ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَكَذَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: خُذْ هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا أَوْ أَعْطَيْتُكَهُ بِكَذَا أَوْهَوْ لَكَ بِكَذَا أَوْ بَذَلْتَكَهُ بِكَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ أَوْ أَخَذْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ هَوَيْتُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتِمُّ الرُّكْنُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يُؤَدِّي مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى لَا لِلصُّورَةِ.
(وَأَمَّا) صِيغَةُ الْحَالِ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَبِيعُ مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا وَنَوَى الْإِيجَابَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَشْتَرِي مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا وَنَوَى الْإِيجَابَ وَقَالَ الْبَائِعُ: أَبِيعُهُ مِنْكَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَشْتَرِيهِ وَنَوَيَا الْإِيجَابَ؛ يَتِمُّ الرُّكْنُ وَيَنْعَقِدُ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا النِّيَّةَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ أَفْعَلُ لِلْحَالِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا لِلِاسْتِقْبَالِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ.
وَلَا يَنْعَقِدُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ بِالِاتِّفَاقِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَتَبِيعُ مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا أَوْ أَبِعْتَهُ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ، لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ، لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ: بِعْتُ.
وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِصِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَهِيَ صِيغَةُ الْأَمْرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: بِعْ عَبْدَكَ هَذَا مِنِّي بِكَذَا فَيَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ وَكَذَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ، لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ: بِعْتُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْعَقِدُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَصْلُحُ شَطْرَ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ، أَلَا تَرَى أَنْ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: تَزَوَّجْ ابْنَتِي، فَقَالَ الْمُخَاطَبُ: تَزَوَّجْتُ، أَوْ قَالَ زَوِّجْ ابْنَتَكَ مِنِّي، فَقَالَ: زَوَّجْتُ، يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؟ فَإِذَا