وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْسٌ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صُورَةً بَلْ تَكُونُ نَقْشًا فَإِنْ قَطَعَ رَأْسَهُ بِأَنْ خَاطَ عَلَى عُنُقِهِ خَيْطًا فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا صُورَةً بَلْ ازْدَادَتْ حِلْيَةً كَالطَّوْقِ لِذَوَاتِ الْأَطْوَاقِ مِنْ الطُّيُورِ ثُمَّ الْمَكْرُوهُ صُورَةُ ذِي الرُّوحِ فَأَمَّا صُورَةُ مَا لَا رُوحَ لَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْقَنَادِيلِ وَنَحْوِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ وَالنَّقْطُ فِي الْمُصْحَفِ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَرِّدُوا مَصَاحِفَكُمْ وَذَلِكَ فِي تَرْكِ التَّعْشِيرِ وَالنَّقْطِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْخَلَلِ فِي تَحَفُّظِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَتَّكِلُ عَلَيْهِ فَلَا يَجْتَهِدُ فِي التَّحَفُّظَ بَلْ يَتَكَاسَلُ لَكِنْ قِيلَ هَذَا فِي بِلَادِهِمْ فَأَمَّا فِي بِلَادِ الْعَجَمِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ بِدُونِهِ وَلِهَذَا جَرَى التَّعَارُفُ بِهِ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ مَسْنُونًا لَا مَكْرُوهًا.
وَلَا بَأْسَ بِنَقْشِ الْمَسْجِدِ بِالْجِصِّ وَالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ لِأَنَّ تَزْيِينَ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ تَعْظِيمِهِ لَكِنْ مَعَ هَذَا تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّ صَرْفَ الْمَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْلَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ رَأَى مَالًا يُنْقَلُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ الْمَسَاكِينُ أَحْوَجُ مِنْ الْأَسَاطِينِ وَكَانَ لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرِيدُ النَّخْلِ وَهَذَا إذَا نَقَشَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَأَمَّا مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ الْقَيِّمُ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ قِيلَ إنَّهُ يَضْمَنُ.
وَلَا يَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقِيقَةَ سُنَّةٌ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ وَسَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَبْشًا كَبْشًا» .
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «نَسَخَتْ الْأُضْحِيَّةُ كُلَّ دَمٍ كَانَ قَبْلَهَا وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْم كَانَ قَبْلَهُ وَنَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ كَانَتْ قَبْلَهَا» وَالْعَقِيقَةُ كَانَتْ قَبْلَ الْأُضْحِيَّةِ فَصَارَتْ مَنْسُوخَةً بِهَا كَالْعَتِيرَةِ وَالْعَقِيقَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَهَا فَرْضًا بَلْ كَانَتْ فَضْلًا وَلَيْسَ بَعْدَ نَسْخِ الْفَضْلِ إلَّا الْكَرَاهَةُ بِخِلَافِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَبَعْضِ الصَّدَقَاتِ الْمَنْسُوخَةِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بِهَا بَعْدَ النَّسْخِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا وَانْتِسَاخِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ الرَّايَةَ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَيِّدَهُ أَمَّا الرَّايَةُ وَهِيَ الْغُلُّ فَلِأَنَّهُ شَيْءٌ أَحْدَثَتْهُ الْجَبَابِرَةُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» فَأَمَّا التَّقْيِيدُ فَلَيْسَ بِمُحْدَثِ بَلْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَيَّدَ عَبْدًا لَهُ يُعَلِّمُهُ تَأْوِيلَ الْقُرْآنِ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ ضَرْبَ الرَّايَةِ عَلَى الْعَبْدِ لِإِبْقَاءِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ مَعَ الْأَمْنِ عَنْ الْإِبَاقِ إلَّا أَنْ لَا يَحْصُلُ بِالرَّايَةِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إذَا رَآهُ يَمْشِي مَعَ الرَّايَةِ يَظُنُّهُ آبِقًا فَيَصْرِفُهُ عَنْ وَجْهِهِ وَيَرُدُّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا يُمْكِنهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ ضَرْبُ الرَّايَةِ عَلَيْهِ مُفِيدًا.
وَلَا بَأْسَ بِالْحُقْنَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّدَاوِي وَأَنَّهُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إلَّا وَقَدْ خَلْقَ لَهُ دَوَاءً إلَّا السَّامَ وَالْهَرَمَ» .
وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَالْأَرْبَعَةِ عَشْرٍ وَهِيَ لَعِبٌ تَسْتَعْمِلُهُ الْيَهُودُ لِأَنَّهُ قِمَارٌ أَوْ لَعِبٌ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ (أَمَّا) الْقِمَارُ فَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] وَهُوَ الْقِمَارُ كَذَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا الْمَيْسِرُ الْقِمَارُ كُلُّهُ حَتَّى الْجَوْزُ الَّذِي يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الشِّطْرَنْجُ مَيْسِرُ الْأَعَاجِمِ وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أَلْهَاكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَيْسِرٌ» (وَأَمَّا) اللَّعِبُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبٍ حَرَامٌ إلَّا مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَقَوْسَهُ وَفَرَسَهُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا دَدٌ مِنِّي» وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَخَّصَ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَقَالَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْحِيذَ الْخَاطِر وَتَذْكِيَةَ الْفَهْمِ وَالْعِلْمَ بِتَدَابِيرِ الْحَرْبِ وَمَكَايِدِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ فَأَشْبَهَ الرِّمَايَة وَالْفُرُوسِيَّة وَبِهَذَا لَا يَخْرُج عَنْ كَوْنِهِ قِمَارًا وَلَعِبًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَرِهَ أَبُو يُوسُفَ التَّسْلِيم عَلَى اللَّاعِبِينَ بِالشِّطْرَنْجِ تَحْقِيرًا لَهُمْ لِزَجْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ أَبُو حَنِيفَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ بَعْض مَا يَمْنَعهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ.
وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ يَهُودِيًّا فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ