وَاحِدٍ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي مَعْنَى دَفْعِ عَشْرِ جَوْعَاتٍ عَنْ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَكَانَ هَذَا إطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مَعْنًى فَيَجُوزُ.

وَنَظِيرُ هَذَا مَا رُوِيَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ثُمَّ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَدَرِ أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ التَّطْهِيرُ كَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ مَا وَجَبَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ يَقْتَضِي سُقُوطَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إذَاقَةِ النَّفْسِ مَرَارَةَ الدَّفْعِ وَإِزَالَةَ الْمِلْكِ لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِتَكْفِيرِ مَا أَتْبَعَهَا هَوَاهَا وَأَوْصَلَهَا إلَى مُنَاهَا، كَمَا خَالَفَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي فِعْلِهِ بِتَرْكِ الْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذَا الْمَعْنَى فِي بَذْلِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً لَا فِي مُرَاعَاةِ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ صُورَةً بِخِلَافِ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي بَابِ الْحَدِّ وَالْعِدَّةِ، لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ هُنَاكَ ثَبَتَ نَصًّا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْدِيَةَ وَهَهُنَا مَعْقُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَبِخِلَافِ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْوَاحِدِ فِيهَا فِي يَوْمَيْنِ أَوْ فِي دَفْعَتَيْنِ مَقَامَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْصُلُ بِالْعَدَدِ لَا يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ وَهُوَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ وَمَنْفَعَةُ التَّصْدِيقِ وَنَفَاذُ الْقَوْلِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَهُنَا مَعْنَى التَّكْفِيرِ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ وَسَدُّ الْمَسْكَنَةِ لَا يَخْتَلِفُ لِمَا بَيَّنَّا.

(وَأَمَّا) إذَا دَفَعَ طَعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ دَفَعَاتٍ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ.

وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يَقْتَضِي الْجَوَازَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي حَقِّ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِدَلِيلٍ كَمَا صَارَ مَخْصُوصًا فِي حَقِّ بَعْضِ الْمَسَاكِينِ مِنْ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ وَنَحْوِهِمْ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ، وَلَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّعَامِ هُوَ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ إذْ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ لِدَفْعِ الْجُوعِ وَإِزَالَةِ الْمَسْكَنَةِ وَفِي الْحَاصِلِ دَفْعُ عَشْرِ جَوْعَاتٍ وَهَذَا فِي وَاحِدٍ فِي حَقِّ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيقِ الدَّفْعِ عَلَى الْأَيَّامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ التَّفْرِيقِ الْمُجْتَمِعِ كَمَا فِي رَمْيِ الْجِمَارِ أَنَّهُ إذَا رَمَى بِالْحَصَى مُتَفَرِّقًا جَازَ، وَلَوْ رَمَى مُجْتَمِعًا دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ وَوُجِدَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَجَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ غَدَّى رَجُلًا وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَّى رَجُلًا وَاحِدًا فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا لَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الْكِسْوَةُ فَالْكَلَامُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ قَدْرِهَا، وَفِي بَيَانِ صِفَتِهَا، وَفِي بَيَانِ مَصْرِفِهَا (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَأَدْنَى الْكِسْوَةِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قَمِيصٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ كِسَاءٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ أَوْ جُبَّةٌ أَوْ قَبَاءٌ أَوْ إزَارٌ كَبِيرٌ وَهُوَ الَّذِي يَسْتُرُ الْبَدَنَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْكِسْوَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّقْدِيرَ فَكُلَّ مَا يُسَمَّى لَابِسُهُ مُكْتَسِيًا يُجْزِي وَمَا لَا فَلَا وَلَابِسُ مَا ذَكَرْنَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فَيُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَا تُجْزِي الْقَلَنْسُوَةُ وَالْخُفَّانِ وَالنَّعْلَانِ لِأَنَّ لَابِسَهُمَا لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَلَا هِيَ تُسَمَّى كِسْوَةً فِي الْعُرْفِ.

وَأَمَّا السَّرَاوِيلُ وَالْعِمَامَةُ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهَا، رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَعْطَى مِسْكِينًا قَبَاءً أَوْ كِسَاءً أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ عِمَامَةً سَابِغَةً يَجُوزُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُجْزِي السَّرَاوِيلُ وَالْعِمَامَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ.

وَرَوَى هِشَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ: أَنَّ السَّرَاوِيلَ تُجْزِيهِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْعِمَامَةِ، لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ شَرَطَ فِي الْعِمَامَةِ أَنْ تَكُونَ سَابِغَةً، فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِيهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ سَابِغَةً وَهِيَ أَنْ لَا تَكْفِيَ تَقْمِيصَ وَاحِدٍ (وَأَمَّا) السَّرَاوِيلُ (فَوَجْهُ) رِوَايَةِ الْجَوَازِ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ كَالْقَمِيصِ (وَوَجْهُ) رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ وَهِيَ الَّتِي صَحَّحَهَا الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَابِسَ السَّرَاوِيلِ لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا عُرْفًا وَعَادَةً بَلْ يُسَمَّى عُرْيَانًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْكِسْوَةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا كَسَا امْرَأَةً فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِيهِ الْخِمَارَ وَهَذَا اعْتِبَارُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْكِسْوَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا مَعَ انْكِشَافِهَا وَلَوْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَلَكِنَّهُ يُجْزِي مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ (أَمَّا) عَدَمُ جَوَازِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْكِسْوَةُ وَنِصْفُ ثَوْبٍ لَا يُسَمَّى كِسْوَةً، لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ عَنْ كِسْوَةٍ رَدِيئَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ.

(وَأَمَّا) جَوَازُهُ عَنْ الطَّعَامِ إذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجُوزُ بَدَلًا عَنْ الْكِسْوَةِ عِنْدَنَا كَمَا تَجُوزُ بَدَلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015