الضَّمَانِ وَثَبَتَ نِصْفُهُ وَالْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ يَضْمَنُهَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ حِينَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحَظْرِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَيِّ الْجِرَاحَتَيْنِ مَاتَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ سَبَبُ الْقَتْلِ فِي الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَضَرَبَهُ فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ أَكَلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ الْكَلْبُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي تَعْلِيمِ الْكَلْبِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمَ بِتَرْكِ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَبَرُ فَكَأَنَّهُ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ.
وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ كَلْبُ أَحَدِهِمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ كَلْبُ الْآخَرِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جُرْحَ الْكَلْبِ بَعْدَ الْجُرْحِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ فَلَا يُوجِبَ الْحَظْرَ فَيُؤْكَلُ وَيَكُونُ الصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ جِرَاحَةَ كَلْبِهِ أَخْرَجَتْهُ عَنْ حَدِّ الِامْتِنَاعِ فَصَارَ مِلْكًا لَهُ فَجِرَاحَةُ كَلْبِ الثَّانِي لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهُ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ وَالرَّمْيُ عَلَى الصَّيْدِ وَإِلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ عَلَى غَيْرِ صَيْدٍ أَوْ رَمَى إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ إلَى غَيْرِ الصَّيْدِ وَالرَّمْيِ إلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ اصْطِيَادًا فَلَا يَكُونُ قَتْلُ الصَّيْدِ وَجَرْحُهُ مُضَافًا إلَى الْمُرْسَلِ وَالرَّامِي فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبَاحَةُ.
وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ صَيْدًا أَوْ بَانَ لَهُ أَنَّ الْحِسَّ الَّذِي سَمِعَهُ لَمْ يَكُنْ حِسَّ صَيْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ آدَمِيًّا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ وَرَمَى إلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِلُّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفِقْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ أَوْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْحِسُّ حِسَّ صَيْدٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يُؤْكَلُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحِسُّ حِسَّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُصَابُ صَيْدًا مَأْكُولًا وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْحِسُّ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا لَا يُؤْكَلُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ حِسَّ ضَبُعٍ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ إنَّ السَّبُعَ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَالرَّمْيُ إلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ كَمَا لَوْ كَانَ حِسَّ آدَمِيٍّ فَرَمَى إلَيْهِ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَنَا أَنَّ الْإِرْسَالَ إلَى الصَّيْدِ اصْطِيَادٌ مُبَاحٌ مَأْكُولًا كَانَ الصَّيْدُ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةُ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ؛ لِأَنَّ حِلَّ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ يَتَعَلَّقُ بِالْإِرْسَالِ فَإِذَا كَانَ الْإِرْسَالُ حَلَالًا يَثْبُتُ حِلُّهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِحِلِّ الْإِرْسَالِ حِلُّ حُكْمِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا تَتَبَدَّلُ بِالْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِرْسَالِ هُوَ قَصْدُ الصَّيْدِ فَأَمَّا التَّعْيِينُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ قَصَدَ الصَّيْدَ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحِسُّ حِسَّ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ عَلَى الْآدَمِيِّ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ حِلُّ الصَّيْدِ بِمَا لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَصْدُ الصَّيْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِلُّ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِهِ بَيْنَ سَائِرِ السِّبَاعِ وَبَيْنَ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْإِرْسَالِ عَلَيْهِ وَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ، فَأَمَّا سَائِرُ السِّبَاعِ فَجَائِزُ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ فَكَانَ الْإِرْسَالُ إلَيْهَا مُعْتَبَرًا وَإِنْ سَمِعَ حِسًّا وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرْسَلَ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ اسْتَوَى الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ احْتِيَاطًا.
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِيمَنْ رَمَى خِنْزِيرًا أَهْلِيًّا فَأَصَابَ صَيْدًا قَالَ: لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ الْأَهْلِيَّ لَيْسَ بِصَيْدٍ لِعَدَمِ التَّوَحُّشِ وَالِامْتِنَاعِ فَكَانَ الرَّمْيُ إلَيْهِ كَالرَّمْيِ إلَى الشَّاةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِلُّ الصَّيْدِ وَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا.
وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ آدَمِيًّا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ الْحِسَّ نَفْسَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى الْمَحْسُوسِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الصَّيْدُ فَصَحَّ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ: لِامْرَأَتِهِ وَأَشَارَ إلَيْهَا هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَبَطَلَ الِاسْمُ وَقَالُوا: لَوْ رَمَى طَائِرًا فَأَصَابَ صَيْدًا وَذَهَبَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوَحْشِيٌّ أَوْ مُسْتَأْنَسٌ أُكِلَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّيْرِ التَّوَحُّشُ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يُعْلَمَ الِاسْتِئْنَاسُ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ دَاجِنٌ تَأْوِي الْبُيُوتَ لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ الدَّاجِنَ يَأْوِيهِ الْبَيْتُ وَتَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ فَكَانَ الرَّمْيُ إلَيْهِ كَالرَّمْيِ إلَى الشَّاةِ وَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِلُّ كَذَا هَذَا.
وَقَالُوا لَوْ رَمَى بَعِيرًا فَأَصَابَ صَيْدًا