يَنْشَأُ عَنْ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا عَنْ اتِّحَادِ الثَّمَنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي عَاقِدًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ جَمِيعًا رَجُلًا وَاحِدًا بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلَيْنِ فَجَاءَ الشَّفِيعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ بِالشُّفْعَةِ.

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَيَا مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوُكَلَاءُ عَشَرَةً اشْتَرَوْا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ، وَهُوَ نَظَرٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ وَأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِاتِّحَادِ الْوَكِيلِ وَتَعَدُّدِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى بَعْضُهُ مُمْتَازًا عَنْ الْبَعْضِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَدَعُهُمَا، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَن.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ هُوَ لُزُومُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا لِانْفِصَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى.

(وَلَنَا) أَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الدَّارَيْنِ بِقَبُولٍ وَاحِدٍ فَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ تَفْرِيقَهَا كَمَا فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَقَوْلُهُ: " لَيْسَ فِيهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ " مُسَلَّمٌ لَكِنْ فِيهِ ضَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ فِي الصَّفْقَةِ مُعْتَادٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَخْذِ أَحَدِهِمَا لَأَخَذَ الْجَيِّدَ فَيَتَضَرَّرُ لَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الرَّدِيءَ لَا يُشْتَرَى وَحْدَهُ بِمِثْلِ مَا يُشْتَرَى مَعَ الْجَيِّدِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارَانِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَتَيْنِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْجَانِبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ؟ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الَّتِي تُجَاوِرُهُ بِالْحِصَّةِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الدَّارَيْنِ الْمُتَلَاصِقَيْنِ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ جَارًا لِإِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَةُ إلَّا فِيمَا يَلِيهِ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَقْرِحَةِ الْمُتَلَاصِقَةِ؛ وَوَاحِدٌ مِنْهَا يَلِي أَرْضَ إنْسَانٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَقْرِحَةِ طَرِيقٌ وَلَا نَهْرٌ إنَّمَا هِيَ مُنْسَاةٌ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا فِي الْقَرَاحِ الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ فِي الْقَرْيَةِ إذَا بِيعَتْ بِدُورِهَا وَأَرَاضِيهَا أَنَّ لِكُلِّ شَفِيعٍ أَنْ يَأْخُذَ الْقَرَاحَ الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: رِوَايَةُ الْحَسَنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْحَقِّ - وَهُوَ الْجِوَارُ - وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَا يَلِيهِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا أَخْذَ أَحَدِهِمَا، وَالصَّفْقَةُ - وَإِنْ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً وَلَكِنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَالْآخَرُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْحَقُّ؛ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا صَفْقَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ يَأْخُذُ الْعَقَارَ خَاصَّةً، كَذَا هَذَا.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ - وَإِنْ وُجِدَ فِيمَا يَلِيهِ دُونَ الْبَاقِي لَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى أَخْذِهِ خَاصَّةً بِدُونِ الْبَاقِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيَأْخُذُ مَا يَلِيهِ قَضِيَّةً لِلسَّبَبِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ ضَرُورَةَ التَّحَرُّزِ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَان مَا يُتَمَلَّكُ بِهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُتَمَلَّكُ بِهِ.

فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْمَزْرُوعَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ مَعْنَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ إذْ هُوَ تَمْلِيكٌ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ يَأْخُذُ بِقِيمَتِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْمُشْتَرَى.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى مِنْ الثَّمَنِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهَهُنَا تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِالْمُسَمَّى فَصَارَ إلَى قِيمَةِ الدَّارِ وَالْعَقَارِ.

وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُمَلِّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَانَ الْأَخْذُ بِهِ تَمَلُّكًا بِالْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَانَ الْأَخْذُ بِقِيمَتِهِ تَمَلُّكًا بِالْمِثْلِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ مِقْدَارُ مَالِيَّتِهِ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ؛ لِهَذَا سُمِّيَتْ قِيمَتُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فَكَانَ مِثْلَهُ مَعْنًى.

وَأَمَّا قِيمَةُ الدَّارِ فَلَا تَكُونُ مِثْلَ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَالتَّمَلُّكُ بِهَا لَا يَكُونُ تَمَلُّكًا بِالْمِثْلِ فَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015