يَكُونُ أَحَقَّ بِالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لِلْوَارِثِ عِنْدَ بَيْعِ الثَّالِثَةِ فَكَانَ السَّبَبُ - وَهُوَ جِوَارُ الْمِلْكِ - ثَابِتًا لَهُ عِنْدَهُ ثُمَّ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَبُطْلَانُ الْمِلْكِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الشُّفْعَةِ.
وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ قِسْمَةَ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ مُشَاعًا وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْقِسْمَةُ مَاضِيَةٌ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَهَا لِيَأْخُذَ نِصْفَهَا مُشَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ قِسْمَتُهُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ صِحَّةِ الْهِبَةِ، وَالْقَبْضُ عَلَى التَّمَامِ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشِّيَاعِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَالشَّفِيعُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْقَبْضِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَهُ لِيَأْخُذَهَا مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ نَقْضَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ مَا بِهِ تَمَامُ الْقَبْضِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هُنَاكَ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُكْمِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ إذْ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ كَمَا أَوْجَبَ الْمِلْكَ أَوْجَبَ الْقِسْمَةَ فِي الْمُشَاعِ، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ لَمْ يَقَعْ مَعَ هَذَا الْمُشْتَرِي الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بَلْ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَالتَّصَرُّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ نَقْضَهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي أَصَابَ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَقَعَ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي مِنْ جَانِبِ الشَّفِيعِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لَهُ فِي النِّصْفِ الْمُشْتَرَى، وَالنِّصْفُ الَّذِي أَصَابَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ.
وَلَوْ وَقَعَ نَصِيبُ الْبَائِعِ مِنْ جَانِبِ الشَّفِيعِ فَبَاعَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَبْلَ طَلَبِ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ الْأُولَى ثُمَّ طَلَبَ الشَّفِيعُ فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ الْأَخِيرَةِ - جَعَلَ نِصْفَ الْبَائِعِ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى - وَهِيَ نِصْفُ الْمُشْتَرِي - لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَعَ الْمُشْتَرِي جَارَانِ لِنِصْفِ الْبَائِعِ، وَالشَّفِيعُ جَارٌ خَاصٌّ لِنِصْفِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَدَأَ فَقَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى قَضَى لَهُ بِالْأَخِيرَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى بَطَلَ حَقُّ جِوَارِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الْمَشْفُوعَ فِيهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَمَّا كَانَ يَثْبُتُ بِالتَّمَلُّكِ بِبَدَلٍ كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءً فَيُرَاعَى فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ طَرِيقِ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ وَبَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ فَالتَّمَلُّكُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ: إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي وَإِمَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ أَمَّا التَّمَلُّكُ بِالتَّسْلِيمِ بِالْبَيْعِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ بِبَدَلٍ يُبْدِلُهُ الشَّفِيعُ وَهُوَ الثَّمَنُ يُفَسِّرُ الشِّرَاءَ، وَالشِّرَاءُ تَمَلُّكٌ وَأَمَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ التَّمَلُّكِ بِالْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ وَفِي بَيَانِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَبِيعُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَيْعُ لَا يُنْتَقَضُ بَلْ تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَيَنْعَقِدُ لِلشَّفِيعِ بَيْعٌ آخَرُ كَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ إيجَابَانِ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُشْتَرِي وَالْآخَرُ مَعَ الشَّفِيعِ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ فَقَدْ قَبِلَ الشَّفِيعُ الْإِيجَابَ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ وَانْتَقَضَ مَا أُضِيفَ إلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابَ الْمُضَافَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّحَوُّلِ لَا بِالِانْتِقَاضِ أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ انْتَقَضَ لَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَإِذَا انْتَقَضَ لَمْ يَجِبْ فَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ نَصُّ مُحَمَّدٍ، وَالْمَعْقُولُ وَالْأَحْكَامُ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ؛ وَالْعَجْزُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ؛ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُودِ آثَارِ الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ تَحَوَّلْ الْمِلْكُ إلَى الشَّفِيعِ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ