بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْكُلِّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْقِسْمَةُ لِلتَّزَاحُمِ وَالتَّعَارُضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا زَالَ التَّزَاحُمُ، وَالتَّعَارُضُ فَظَهَرَ حَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ، فَيَأْخُذَ الْكُلَّ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشُّفَعَاءُ جَمَاعَةً فَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ فَلِلْبَاقِينَ أَنْ يَأْخُذُوا الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ، فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَى الْكَمَالِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَقَدْ تَأَكَّدَ حَقُّهُ بِالطَّلَبِ وَلَمْ يُعْرَفْ تَأَكُّدُ حَقِّ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَطْلُبَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَطْلُبَ، أَوْ يُعْرِضَ فَلَمْ يَقَعْ التَّعَارُضُ، وَالتَّزَاحُمُ فَلَا يَمْنَعُ الْحَاضِرَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ الثَّابِتِ الْمُتَأَكِّدِ بِحَقٍّ يَحْتَمِلُ التَّأَكُّدَ، وَالْعَدَمَ بَلْ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ عَمَلًا بِكَمَالِ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَحَدُ صَاحِبَيْ الدِّينِ غَائِبٌ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إلَى الْحَاضِرِ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ، لِأَنَّ هُنَاكَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي حَقَّ الْآخَرِ فِي التَّأَكُّدِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ لِوُقُوعِ التَّعَارُضِ، وَالتَّزَاحُمِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلدَّارِ شُفَعَاءُ بَعْضُهُمْ غَائِبٌ، وَبَعْضُهُمْ حَاضِرٌ يُقْضَى بِالدَّارِ بَيْنَ الْحُضُورِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ، لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَسَقَطَ حَقُّ الْجَاعِلِ، وَقُسِّمَتْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ بَقِيَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ فَبَطَلَ الْجَعْلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَسَقَطَ حَقُّهُ لِكَوْنِ الْجَعْلِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ وَبَقِي كُلُّ الدَّارِ بَيْنَ الْبَاقِينَ فَيُقَسِّمُونَهَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ حَاضِرًا فَقُضِيَ لَهُ بِكُلِّ الدَّارِ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يُقْضَى لَهُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ الْحَاضِرِ، فَإِنْ جَاءَ ثَالِثٌ يُقْضَى لَهُ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِوُقُوعِ التَّعَارُضِ، وَالتَّزَاحُم، لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَتَأَكُّدِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ.

وَلَوْ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْكُلَّ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ فَقَالَ لَهُ الْحَاضِرُ: أَنَا أُسَلِّمُ لَك الْكُلَّ فَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ تَدَعَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلِلَّذِي قَدِمَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى لِلْحَاضِرِ بِكُلِّ الدَّارِ تَضَمَّنَ قَضَاؤُهُ بُطْلَانَ حَقِّ الْغَائِبِ عَنْ النِّصْفِ، وَصَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ لِلْحَاضِرِ بِالْكُلِّ فَبَعُدَ ذَلِكَ، وَإِنْ بَطَلَ الْقَضَاءُ لَكِنَّ الْحَقَّ بَعْدَمَا بَطَلَ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ، وَلَوْ قَضَى بِالدَّارِ لِلْحَاضِرِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ إلَّا نِصْفَ الدَّارِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى الْقَاضِي لِلْحَاضِرِ بِكُلِّ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّ الْغَائِبِ عَنْ النِّصْفِ وَصَارَ هُوَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فِي هَذَا النِّصْفِ فَلَا يُحْتَمَلُ الْعَوْدُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي النِّصْفِ بِالْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِمَا قُلْنَا

وَلَوْ أَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ بِرَدِّ الْحَاضِرِ بِالْعَيْبِ وَيَدَعَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ، يَنْظُرُ إنْ كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَيْعٌ مُطْلَقٌ فَكَانَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فَيَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَأْخُذُ بِالْبَيْعِ الْمُبْتَدَإِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَأَطْلَقَ الْجَوَابَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَيْعٌ جَدِيدٌ، وَبَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

(وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ: يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ رِضَا الشَّفِيعِ هَهُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا فِي التَّمْلِيكِ فَكَانَ رِضَاهُ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُطْلَقٌ، وَرَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ وَلَوْ اطَّلَعَ الْحَاضِرُ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَقْضِ بِالشُّفْعَةِ لِلْحَاضِرِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْغَائِبِ بَلْ بَقِيَ فِي كُلِّ الدَّارِ لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِمُزَاحَمَةِ الْحَاضِرِ فِي الْكُلِّ وَبِالتَّسْلِيمِ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ فَظَهَرَ حَقُّ الْغَائِبِ فِي كُلِّ الدَّارِ، وَلَوْ رَدَّ الْحَاضِرُ الدَّارَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ حَضَرَ شَفِيعَانِ أَخَذَا ثُلُثَيْ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ، وَالْحُكْمُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ سَوَاءٌ يَسْقُطُ حَقُّ الْغَائِبِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْحَاضِرِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّ الدَّارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّهَا بِالْبَيْعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015