فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ.
وَمِنْهَا الْمِلْكُ وَالْوِلَايَةُ فَلَا تَنْفُذُ إجَارَةُ الْفُضُولِيِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَالْوِلَايَةِ لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَالْبَيْعِ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
ثُمَّ الْإِجَازَةُ إنَّمَا تَلْحَقُ الْإِجَارَةَ الْمَوْقُوفَةَ بِشَرَائِطَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْبُيُوعِ مِنْهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا أَجَرَ الْفُضُولِيُّ فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْعَقْدَ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ جَازَتْ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فَاتَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِأَمْرِهِ جَازَ فَإِذَا كَانَ مَحَلًّا لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ كَانَ مَحَلًّا لِلْإِجَازَةِ، إذْ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ تَجُزْ إجَازَتُهُ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا قَدْ انْعَدَمَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ احْتِمَالِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَلَا تَلْحَقُهَا الْإِجَازَةُ.
وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَجَّرَهُ سَنَةً لِلْخِدْمَةِ وَفِي رَجُلٍ آخَرَ غَصَبَ غُلَامًا أَوْ دَارًا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَجُلٌ أَنَّهُ لَهُ فَقَالَ الْمَالِكُ: قَدْ أَجَزْت مَا أَجَرْت إنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ إنْ كَانَتْ قَدْ انْقَضَتْ فَلِلْغَاصِبِ الْأَجْرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ انْعَدَمَ، وَالْإِجَازَةُ لَا تَلْحَقُ الْمَعْدُومَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَالْأَجْرُ الْمَاضِي وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْغُلَامِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَجْرُ مَا مَضَى لِلْغَاصِبِ، وَأَجْرُ مَا بَقِيَ لِلْمَالِكِ، فَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى الْمُدَّةِ فَقَالَ: إذَا بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ فَبَقِيَ مَحَلًّا لِلْإِجَازَةِ، وَمُحَمَّدٌ نَظَرَ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَقَالَ: كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْفَعَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِحِيَالِهِ كَأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً بِالْمَنَافِعِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَانْعَدَمَتْ فَانْعَدَمَ شَرْطُ لُحُوقِ الْإِجَازَةِ الْعَقْدَ فَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَأَجَّرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْإِجَارَةَ: إنَّ أُجْرَةَ مَا مَضَى لِلْغَاصِبِ، وَأُجْرَةَ مَا بَقِيَ لِلْمَالِكِ، وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ قَالَ: فَإِنْ أَعْطَاهَا مُزَارَعَةً فَأَجَازَهَا صَاحِبُ الْأَرْضِ جَازَتْ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ سَنْبَلَ مَا لَمْ يَسْمُنْ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ مِنْ الزَّرْعِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُفْرَدُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَكَانَ إجَازَةُ الْعَقْدِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ.
وَأَمَّا إذَا سَمُنَ الزَّرْعُ فَقَدْ انْقَضَى عَمَلُ الْمُزَارَعَةِ فَلَا يَلْحَقُ الْعَقْدُ الْإِجَازَةَ.
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَهُوَ كَشِرَائِهِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ لَهُ يُنْظَرُ إنْ وَقَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ جَمِيعًا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْعَاقِدِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُيُوعِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالِاسْتِئْجَارِ أَنَّهُ يَقَعُ اسْتِئْجَارُهُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ وَالْفَرْقُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ إجَارَةُ الْوَكِيلِ أَنَّهَا نَافِذَةٌ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ بِإِنَابَةِ الْمَالِكِ إيَّاهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ ابْنِ الْمُوَكِّلِ وَأَبِيهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُوَكِّلِ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مِلْكَيْهِمَا، كَذَا لِلْوَكِيلِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ فَكَذَا لِوَكِيلِهِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُهُ فَكَذَا الْوَكِيلُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ ذَلِكَ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَيَجُوزُ لِوَكِيلِهِ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْهُ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَكَسْبُهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكَ الْمَوْلَى لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَجُعِلَ الْمَالِكُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَكُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَهُوَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ بِمِثْلِ أَجْرِ الدَّارِ وَبِأَقَلّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ بِالْأَقَلِّ، وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ آجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً نَفَذَتْ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ إذَا انْتَفَعَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ لَمْ يُؤَاجِرْ الْمُوَكِّلُ الدَّارَ لَكِنَّهُ وَهَبَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ أَعَارَهَا إيَّاهُ فَسَكَنَهَا سِنِينَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى السَّاكِنِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ نَافِذَةٌ لِوُجُودِ الْإِنَابَةِ مِنْ الشَّرْع، فَلِلْأَبِ أَنْ يُؤَاجِرَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى الصَّغِيرِ كَوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ عَلَيْهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ