فَاصِلٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالْجَدِّ، فَلَا يَكُونُ الِابْنُ تَابِعًا لَهُ فِي الْوَلَاءِ وَالْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْجَدَّ لَوْ جَرَّ الْوَلَاءَ لَكَانَ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ رَأْسًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَصْلَهُ يَكُونُ حُرًّا أَمَّا مِنْ الْجَدِّ أَيْ لِأَبِيهِ أَوْ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ الْأَجْدَادِ إلَى آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ فِي الْجُمْلَةِ ثَبَتَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَجُرُّ، وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ لَصَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّ الْجَدِّ، وَلَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُ أَحَدٍ، وَالْمَعْلُومُ بِخِلَافِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَعْلِ الْوَلَدِ تَابِعًا لِلْجَدِّ فِي الْوَلَاءِ بَاطِلٌ.

وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِهِ فَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِهِ الْعِتْقُ، وَالْحُكْمُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ السَّبَبِ، وَبَيَانُهُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ بِنَاءً عَلَى تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ تَجَزُّئِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْوَلَاءِ فَلَهُ أَحْكَامٌ: مِنْهَا الْمِيرَاثُ وَهُوَ أَنْ يَرِثَ الْمُعْتِقُ مَالَ الْمُعْتَقِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَيَرِثُ مَالَ أَوْلَادِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْإِرْثِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.

وَمِنْهَا تَحَمُّلُ الْعَقْلِ لِلتَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ وَالْحِفْظِ، وَمِنْهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، ثُمَّ إذَا وَرِثَ الْمُعْتِقُ مَالَ الْمُعْتَقِ فَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ مَعْلُومًا يُدْفَعْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَوَقَّفَ الْوَلَاءُ؛ كَمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ قَدْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ إذَا جَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْوَلَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

أَمَّا حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ فَإِنَّ إعْتَاقَ الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي لِتَكْذِيبِ الْبَائِعِ إيَّاهُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ مُصَدَّقٌ إنْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَثْبُتُ إعْتَاقُ الْبَائِعِ حَقَّهُ، فَيَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لِتَكْذِيبِهِ إيَّاهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ عِتْقُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلَاءِ مَوْقُوفًا فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ مَعْلُومًا، فَبَقِيَ وَلَاءُ الْعَبْدِ مَوْقُوفًا عَلَى تَصْدِيقِ الْبَائِعِ لَهُ وَوَرَثَتِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ لَزِمَهُ الْوَلَاءُ؛ لِوُجُودِ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَزِمَهُ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ فَصَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ وَرَثَتَهُ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ فَصَارَ تَصْدِيقُهُمْ كَتَصْدِيقِ الْمَيِّتِ، هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِإِعْتَاقِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِتَدْبِيرِهِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَمَاتَ الْبَائِعُ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِالتَّدْبِيرِ مِنْ الْبَائِعِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِإِعْتَاقِهِ الْعَبْدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِذَا مَاتَ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ إنْ لَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِمَا قُلْنَا، فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَوَلَاؤُهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا لِمَا قُلْنَا إلَّا إذَا صَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَلْزَمُ الْوَلَاءُ الْبَائِعَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ فِي هَذَا، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ وَلَاءَ الْمَيِّتِ لَمْ يَثْبُتْ فَالْوَرَثَةُ بِالتَّصْدِيقِ يُرِيدُونَ إثْبَاتَ وَلَاءٍ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَمْلِكُونَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَمْلِكُونَ إثْبَاتَ النَّسَبِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ تَصْدِيقَهُمْ إقْرَارٌ مِنْهُمْ بِمَا يَمْلِكُونَ إنْشَاءَ سَبَبِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لِلْحَالِ فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُمْ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ، وَكَذَلِكَ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ، وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَقَرَّ عَلَى صَاحِبِهِ بِعِتْقِهَا عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ، فَيَصِحُّ إقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَى الْوَلَاءَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَلْحَقَهُ بِصَاحِبِهِ فَانْتَفَى عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِصَاحِبِهِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنَّك قَدْ أَعْتَقْت هَذَا الْعَبْدَ وَجَحَدَ الْآخَرُ فَالْعَبْدُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ، حَتَّى لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا لَمْ يَرِثْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيُوقَفُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إلَى أَنْ يُصَدِّقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لِمَا قُلْنَا، وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ ثُمَّ كُلُّ وَلَاءٍ مَوْقُوفٌ فَمِيرَاثُهُ يُوقَفُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ مِيرَاثُهُ بِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ مَوْقُوفٌ لَا يُعْرَفُ لِمَنْ هُوَ فَكَانَ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ فَيُوقَفُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَاللُّقْطَةِ.

وَأَمَّا جِنَايَتُهُ فَإِنَّمَا لَا تُتَحَمَّلُ عَنْهُ بِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ عَاقِلَةً غَيْرَ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ نَفْسُهُ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ عَقْلِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَصِيرُ هُوَ عَاقِلَةَ نَفَسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِجَهَالَةِ مَوْلَاهُ، بِخِلَافِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015