كَانَ مَحَلًّا لِلِاسْتِيلَادِ وَالتَّمَلُّكِ، وَكَذَا إنْ كَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الْحُرَّ مَحَلٌّ لِلِاسْتِيلَادِ وَالتَّمَلُّكِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ، فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَبْدُهُ الْمُعْتَقُ فَأَعْتَقَهُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَوْلَى صَاحِبِهِ حَتَّى إنَّ أَيَّهُمَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً مِنْ النَّسَبِ وَرِثَهُ صَاحِبُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْإِرْثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَشَرْطُهُ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، ثُمَّ هَرَبَ الذِّمِّيُّ الْمُعْتَقُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَسْلَمَ فَاشْتَرَاهُ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ أَعْتَقَهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا الَّذِي كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَعْتَقَتْهُ فَأَعْتَقَهَا كَانَ الرَّجُلُ مَوْلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ مَوْلَاةَ الرَّجُلِ لِوُجُودِ الْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ الْعِتْقُ كَمَا هُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ فَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ جَنَى الْمُعْتَقُ كَانَ عَقْلُهُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهُ، فَإِذَا جَنَى فَقَدْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ.
وَأَمَّا شَرْطُ ثُبُوتِهِ.
فَلِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ شَرَائِطُ بَعْضُهَا يَعُمُّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ وَلَدِ الْعَتَاقَةِ وَبَعْضُهَا يَخُصُّ وَلَاءَ وَلَدِ الْعَتَاقَةِ، فَأَمَّا الَّذِي يَعُمّهُمَا جَمِيعًا فَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَبْدِ الْمُعْتَقِ، أَوْ لِوَلَدِهِ عَصَبَةٌ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرِثُهُ الْمُعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ مِنْ طَرِيقِ التَّعْصِيبِ وَفِي الْعَصَبَاتِ يُعْتَبَرُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَصَبَةَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ أَقْوَى، فَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ، وَإِنْ كَانَ لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مِثْلَ حَقِيقَةِ النَّسَبِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ النَّسَبِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَلَهُ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ، أَوْ ذَوُو الْأَرْحَامِ فَحُكْمُهُ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ وَلَدَ الْعَتَاقَةِ فَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ مُعْتَقَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مَا دَامَ مَمْلُوكًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ حُرًّا أَوْ مَمْلُوكًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَكَانَ مَمْلُوكًا لِمَوْلَى أُمِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَاءُ وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونُ الْأُمُّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ مُعْتَقًا فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأَبِ لَا لِمَوْلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالْأَصْلُ فِي النَّسَبِ هُوَ الْأَبُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ فَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِلْأَبِ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الرِّقِّ وَلَا رِقَّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ نَبَطِيًّا، وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ لَمْ يَعْتِقْ وَلَهُ وَلَاءُ مُوَالَاةٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَبِ كَمَا فِي الْعَرَبِيِّ.
(وَجْهٌ) قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ النَّسَبَ يُشْبِهُ النَّسَبَ وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ لَوْ كَانَتْ مِنْ الْعَرَبِ وَالْأَبُ مِنْ الْمَوَالِي فَالْوَلَدُ يَكُون تَابِعًا لِقَوْمِ الْأَبِ وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْأُمِّ لِمَوَالِيهَا لِأَجْلِ النُّصْرَةِ فَيَثْبُتُ لِلْوَلَدِ هَذِهِ النُّصْرَةُ وَلَا نُصْرَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَى الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ فَصَارَ كَمُعْتَقَةٍ تَزَوَّجْت عَبْدًا فَيَكُونُ وَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَبِ مَوْلًى عَرَبِيٌّ، فَإِنْ كَانَ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْم مِنْهُمْ» وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ مُعْتَقًا، فَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأَبِ وَلَا لِمَوَالِي الْأُمِّ، بَلْ يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ صَارَ لَهُ وَلَاءُ نَفَسِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي الْوَلَاءِ، وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ يُذْكَرُ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوَلَاءِ.
وَأَمَّا صِفَتُهُ فَلَهُ صِفَاتٌ مِنْهَا أَنَّ الْإِرْثَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهِ وَشَرْطِهِ مِنْ طَرِيقِ التَّعْصِيبِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُعْتِقَ إنَّمَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ مَالَ الْمُعْتَقِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ وَيَكُونُ الْمُعْتِقُ آخِرَ عَصَبَاتِ الْمُعْتَقِ مُقَدَّمًا عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَعَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَضَلَ مِنْ سِهَامِهِمْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ وَارِثٌ أَصْلًا، أَوْ كَانَ لَهُ ذُو الرَّحِمِ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ يُعْطَى فَرَائِضَهُمْ أَوَّلًا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُعْطَى الْمُعْتِقَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يُرَدُّ الْفَاضِلُ عَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُحْتَمَلُ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِطَرِيقِ التَّعْصِيبِ، وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ فِي