لِلنِّصْفِ الَّذِي لَيْسَ بِمُكَاتَبٍ، أَوْ يَجْعَلَ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُكَاتَبٍ تَبَعًا لِلنِّصْفِ الَّذِي هُوَ مُكَاتَبٌ، وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالرِّقَّ إذَا اجْتَمَعَا غَلَبَتْ الْحُرِّيَّةُ الرِّقَّ، وَفِي الْكِتَابَةِ شُعْبَةٌ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْعِتْقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ.

وَإِذَا كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الْبَاقِيَ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ أَوْ دَبَّرَ نِصْفَهُ ثُمَّ بَاعَهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ وَيَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ فَعَلَ هَكَذَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا كَذَلِكَ هَذَا.

وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ نَفْسِهِ مِنْ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ هُوَ إعْتَاقٌ بِمَالٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمُدَبِّرِ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا جَازَ، وَإِذَا أَعْتَقَ نِصْفَهُ فَالْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّى الْكِتَابَةَ وَعَتَقَ وَإِنْ شَاءَ عَجَزَ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوَجَّهُ إلَيْهَا وَجْهَا عِتْقٍ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ عِتْقٌ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَعِتْقٌ بِالسِّعَايَةِ، فَلَهُ أَنْ يَمِيلَ إلَى أَيْ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ.

عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَاتَبَ نِصْفَهُ أَوْ كُلَّهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِذَا أَذِنَ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، فَإِنْ كَاتَبَ نِصْفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ صَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا لَكِنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ فِي الْحَالِ وَفِي ثَانِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ وَفِي الثَّانِي يَصِيرُ مُسْتَسْعًى فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ.

وَالْكِتَابَةُ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَصِحُّ فَسْخُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي كَاتَبَ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفَسِهِ فَلَا يَفْسَخُ تَصَرُّفَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَا الْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّرِيكُ حَتَّى أَدَّى عَتَقَ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَفَذَتْ فِي نَصِيبِهِ فَإِذَا وَجَدَ شَرْطَ الْعِتْقِ عَتَقَ، ثُمَّ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّرِيكِ فَيَقْبِضُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ كَانَ كَسْبَ عَبْدٍ بَيْنَهُمَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَأْخُوذِ، ثُمَّ الَّذِي كَاتَبَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا قَبَضَ شَرِيكُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ إلَّا نِصْفَهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْبَدَلِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَهُ نِصْفُهُ بِالْكِتَابَةِ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ، هَذَا فِي الْكَسْبِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ.

وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَصِيرُ مُسْتَسْعًى وَالْمُسْتَسْعَى أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ مِنْ السَّيِّدِ.

فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَالْمَوْلَى، فَقَالَ الْعَبْدُ: هَذَا كَسْبٌ اكْتَسَبْته بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَالَ الْمَوْلَى: بَلْ اكْتَسَبْته قَبْلَ الْأَدَاءِ.

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْكَسْبَ شَيْءٌ حَادِثٌ فَيُحَالُ حُدُوثُهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَصَارَ الْحُكْمُ بَعْدُ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَلِلشَّرِيكِ ثَلَاثَةُ اخْتِيَارَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَخِيَارَانِ.

هَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِذَا كَانَ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِقَبْضِ الْكِتَابَةِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا إنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ هَهُنَا لِوُجُودِ الرِّضَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ مَا عَتَقَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَتَاقِ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ اثْنَانِ قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا قَبَضَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ هَذَا إذَا كَاتَبَ النِّصْفَ، فَأَمَّا إذَا كَاتَبَ الْكُلَّ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الشَّرِيكُ مِنْهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ مِنْ الْكِتَابَةِ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُكَاتَبِ هَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَأَجَازَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ صَارَ مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَعْتِقُ جَمِيعُهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَلْفِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِمَا مَعًا عَتَقَ، وَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا أَوَّلًا لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ وَقَعَتْ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِقَبْضِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ أَدَّى جَمِيعَهُ إلَى الَّذِي كَاتَبَ عَتَقَ كُلُّهُ، وَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَدَّى كُلَّهُ إلَى الشَّرِيكِ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَصِلَ نِصْفُهُ إلَى شَرِيكِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ كِتَابَةَ النِّصْفِ وَكِتَابَةَ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ حَتَّى أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ، وَيَأْخُذُ الشَّرِيكُ مِنْهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ شَرِيكُهُ وَنِصْفُ الْكَسْبِ الْفَاضِلِ لِلْمُكَاتَبِ، وَنِصْفُهُ لِلَّذِي لَمْ يُكَاتَبْ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَإِنْ أَجَازَ شَرِيكُهُ صَارَ مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا مَعًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015