مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ سَوَاءً كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِ الْمِلْكِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إثْبَاتَ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِثْبَاتَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ.
وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا لِلْحَالِ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ وَلَا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يَحْصُلُ مَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْ التَّدْبِيرِ أَيْضًا عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي بَيَانِ حُكْمِ التَّدْبِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ عَلَّقَ بِمَوْتِ غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا.
وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ أَحَدَهُمَا فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، فَإِنْ كَانَ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا بَلْ يَكُونُ مُقَيَّدًا، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ، حَتَّى لَوْ عَلَّقَ بِمَوْتِهِ وَشَرْطٍ آخَرَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا صِفَةُ التَّدْبِيرِ فَالتَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، فَيُعْتَبَرُ بِإِثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَإِثْبَاتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ.
كَذَا إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ وَهُوَ إثْبَاتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، فَكَانَ إعْتَاقًا.
فَكَانَ الْخِلَافُ فِيهِ لَازِمًا، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا إنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ صَارَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً مُدَبَّرًا وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِكَوْنِ التَّدْبِيرِ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَلِلشَّرِيكِ سِتُّ خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ.
أَمَّا خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، فَلِأَنَّ نَصِيبَهُ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَقِّ التَّخْرِيجِ إلَى الْعَتَاقِ.
وَأَمَّا خِيَارُ التَّضْمِينِ فَلِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ مُطْلَقًا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ.
وَأَمَّا خِيَارُ التَّرْكِ عَلَى حَالِهِ فَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي جُزْءٍ مِنْهُ فَجَازَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الرِّقِّ، وَإِنَّهُ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْكَسْبِ وَالْخِدْمَةِ، فَلَا يُكَلَّفُ بِالتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ مَا لَمْ يَمُتْ الْمُدَبِّرُ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِعْتَاقَ فَأَعْتَقَ، فَلِلْمُدَبَّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُعْتِقِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا وَالْوَلَاءُ بَيْنهمَا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْهُمَا لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ لَا يَحْتَمِل الِانْتِقَالَ إلَى الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلِلْمُعْتِقِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِعْتَاقِ حَصَلَتْ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ الْمُدَبِّرُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَلَيْسَ لَهُ التَّرْكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقُ الْبَعْضِ، فَيَجِبُ تَخْرِيجُهُ إلَى الْعَتَاقِ، هَذَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْمُدَبَّرِ ثَلَاثَةُ خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ اخْتَارَ التَّدْبِيرَ فَدَبَّرَ نَصِيبَهُ حَتَّى صَارَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا بَيْنهمَا، وَسَاوَى شَرِيكَهُ فِي التَّصَرُّفِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَاقِي إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتِقَ الْبَعْضِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَلَيْسَ لَهُ التَّرْكُ عَلَى حَالِهِ لِمَا قُلْنَا.
فَإِنْ مَاتَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ قَبْلَ أَخْذِ السِّعَايَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، وَبَطَلَتْ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرُ إذَا أُعْتِقَ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ وَقِيمَتُهُ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، وَقِيلَ إنَّ هَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دُيُونٍ وَجَبَتْ عَلَى الْحُرِّ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيب الشَّرِيكِ مَا لَمْ يُؤَدِّ السِّعَايَةَ إذَا اخْتَارَ السِّعَايَةَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ فَإِذَا مَاتَ الشَّرِيكُ فَهَذَا مُدَبَّرٌ مَاتَ مَوْلَاهُ وَقِيمَتُهُ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَيُعْتَقُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الْكِتَابَةَ وَكَاتَبَهُ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ مَضَى الْأَمْرُ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ يُذْكَرُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ