قال: حضرت مجلس هشام بن عبد الملك، وبين يديه جرير والفرزدق والأخطل، فأحضرت بين يدي هشام ناقة، فقال متمثلاً:
أنيخها ما بدا لي، ثم أرحلها
أيكم أتمه كما أريد فهي له، فبدر جرير فقال:
كأنها نقنق تعدو بصحراء
فقال: لم تصنع شيئاً، فقال الفرزدق:
كأنها كاسر بالدو فتخاء
فقال: ولا أنت، فقال الأخطل:
ترخى المشافر واللحيين إرخاء
فقال: اركبها لا حملك الله!
برد الماء وطابا
فقال أبو العتاهية:
حبذا الماء شرابا
أنه قال: كنت أنا ومحمد بن وهيب نسمر عند معقل بن عيسى بن إدريس العجلي، أخي أبي دلف، فطلعت الثريا ليلةً، فقال:
أما ترون الثريا
فبدر محمد بن وهيب، فقال:
كأنها عقد ريا
عن أبيه قال: قلت:
وصف الصد لمن أهوى فصد
ثم أجبلت، فمكثت عدة ليالٍ لا أقدر على تمامه، فدخل علي عبد الله بن عمار التيمي، فرآني مفكراً، فقال لي: ما قصتك؟ فأخبرته، فقال في الحال:
وبدا يمزح بالهجر فجد
قال إسحاق: ثم تممتها بعد فقلت:
ما له يعدل عني وجهه ... وهو لا يعدله عندي أحد!
قال: كان أبو تمام حبيب بن أوس الطائي عند الحسن بن وهب، فدخل عليهما أبو نهشل بن حميد، فلما رآه أبو تمام، قال:
أعضك الله أبا نهشل
ثم قال للحسن: أجز فقال:
بخد ريمٍ أبيضٍ أكحل
ثم قال: أجز يا أبا نهشل، فقال:
يطمع في الوصل فإن رمته ... صار مع العيوق في منزل
وهذا أيضاً فيه إجازة بيت ببيت.
ومن ذلك ما روي أن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان وهو المنعوت بين ملوك الأندلس بالأمير
صنع في بعض غزواته قسيماً، وهو:
نرى الشيء مما يتقى فنهابه
ثم أرتج عليه - وكان عبد الله بن الشمر نديمه وشاعره غائباً - فأحضر بعض قواده محمد بن سعيد الزجالي، وكان يكتب له، فأنشده القسيم، فقال:
ومالا نرى مما يقي الله أكثر
فاستحسنه وأجازه وحمله استحسانه على أن استوزره
قال: دخل أبي على المعتز بالله - وكان من جلسائه - فوقع بين الجلساء تنازع، فنهاهم حتى أضجروه؛ قال النميري: فقال له أبي:
عادتك الصفح، والذنوب لنا
فقال المعتز:
كذاك فعل العبيد الملك
سمع الناس يذكرون حكايةً لا أتقلد صحتها، وهي أن أبا تمام لقي ديك الجن وهو طفل يلعب، ويدعي قول الشعر، فقال: إن كنت شاعراً كما تقول، فأجز:
فرقوا بين من أحب وبيني
فقال: أبعد أم أقرب؟ فقال أبو تمام بعد، فقال:
مثل بعد السماك والفرقدين
فقال له: قرب، فقال:
مثل مابين حاجبي وعيني
قال: حدثني أبو أحمد يحيى بن علي بن المنجم، أنه أول ما قال الشعر: حضر أبو الصقر