المحرم" (?)، فقال بعضهم إنه توفّي سنة 204 هـ. أما أنه توفّي سنة 183 هـ قبل وفاة أبي عبيدة (210 هـ) بسبعة وعشرين عامًا، فلم يقل بذلك أحد قبل السخاوي ولا بعده. ثم ولد أبو عبيدة سنة 110 هـ، وولد النضر في حدود سنة 122 هـ فأولهما أقدم من الثاني باثني عشر عامًا. ولكن ليس في شيء من ذلك حجة على كون أحدهما سابقًا والآخر مسبوقًا في تأليف غريب الحديث، فإنهما على كل حال عاشا ثمانين سنة في زمن واحد.
والقول الثاني الذي ذكره ابن الصلاح هو الذي عوّل عليه ابن الأثير الجزري (606 هـ) في مقدمة النهاية، فقال: "فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئًا وألّف أبو عبيدة معمر بن المثني التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابًا صغيرًا ذا أوراق معدودات ... ثم جمع أبو الحسن النضر ابن شميل المازني بعده كتابًا في غريب الحديث أكبر الحديث أكبر من كتاب أبي عبيدة، وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه، ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي ... " (?).
لم يشر ابن الأثير - كما نرى - إلى قول الحاكم، وإنما ذكر قولًا واحدًا وهو أن أبا عبيدة سبق معاصره النضر بن شميل إلى التأليف في غريب الحديث وأكّد ذلك باستعمال كلمتين: "ثم" و"بعده". ولم يكن افتتاح ابن الأثير كلامه هنا بلفظة "قيل" للتضعيف، فإنه لم يشر البتة إلى قول آخر يرجحه في هذه المسألة، وإنما كان سبيله سبيل من يجد بين يديه قولين أو أكثر، فيختار منهما ما يستحسنه ويميل إليه، وإن كان لا يملك حجة قاطعة عليه.
وبالجملة فهما قولان مأثوران في هذه المسألة أشهرهما ما اختاره ابن الأثير "ويكاد الإجماع ينعقد عليه" كما يقول الدكتور محمود الطناحي (?).