للباحث أن يكتفي بالمصادر الثانوية في الموضوع، وهي التي تستقي معلوماتها من مصادر أقدم منها، فإذا ذكر أحد اللغويين المحدثين قولا نقله عن "المزهر" للسيوطي مثلا، فإن على الباحث أن يرجع إلى كتاب "المزهر" نفسه، فإذا رأي السيوطي ينقل هذا القول عن ابن جني مثلا، فإن عليه أن يبحث عن هذا النص في كتب ابن جني، التي حفظتها لنا الأيام، ويعد ذلك في كثير من الأحيان مهمة صعبة، إلا إذا نص السيوطي مثلا على اسم كتاب ابن جني، كالخصائص، أو سر صناعة الإعراب، أو غير ذلك.
وكلما عثر الباحث على النص الواحد في كتب متعددة، كان أوثق لهذا النص؛ لأن العبارة قد تصاب بتحريف في أحد المصادر، فيقومها المصدر الثاني، ويكفي للتدليل على هذا مراجعة النص الذي اقتبسه السيوطي في القبائل التي تؤخذ عنها اللغة، من كتاب الألفاظ والحروف لأبي نصر الفارابي1 في كتابيه: "المزهر" و"الاقتراح" ومقارنة كل واحد منهما بالآخر، حتى يتبين لنا صدق هذا القول:
ففي المزهر: " ... فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد، لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ولا من عبد القيس وأزد عمان؛ لأنهم كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة"2.