مقدرة لغة ما، على تمثل الكلام الأجنبي، تعد مزيّة وخصيصة لها، إن هي صاغته على أوزانها وصبته في قوالبها، ونفخت فيه من روحها.
والحق أن مشكلة تعريب ألفاظ العلم ومستحدثات الحضارة، هي مشكلتنا الحقيقية في العصر الحديث. ومجامعنا العلمية لم تستطع حتى الآن، معالجة هذه المشكلة معالجة حاسمة، فإنها تنتظر حتى يشيع اللفظ الأجنبي على كل لسان، وتستخدمه العامة والخاصة، وتنشره وسائل الأعلام المختلفة، ثم تسعى بعد فوات الأوان إلى محاربته، والبحث عن بديل له عند العرب القدماء، وبذلك يولد هذا اللفظ ميتا، لاشتهار اللفظ الأعجمي، وشيوعه على الألسنة. وكم من ألفاظ وضعتها المجامع اللغوية لمستحدثات الحضارة، غير أنها لم تتجاوز أبواب هذه المجامع، فمثلا: "المذياع" للراديو، و"المأوى" للوكاندة، و"الخيالة" للسينما و"الطارمة" للكشك، و"الملوحة" للسيمافور، و"المرناة" للتليفزيون، وغير ذلك من الألفاظ، ولدت ميتة لهذا السبب الذي ذكرته.
ولو أننا سمينا مستحدثات الحضارة بأسماء عربية، واصطلحنا على هذه التسمية أو تلك، عند أول ظهور هذا المستحدث الحضاري أو ذاك، وعملت وسائل الإعلام المختلفة عندنا، على ذيوعه وانتشاره، لارتبط في أذهان الناس بمسماه، وقضينا على هذه المشكلة من أساسها. وإنك لتعجب حين ترى الألمان يقومون في لغتهم بمثل ما ننادي به هنا، فمعظم المخترعات الأجنبية، لها عندهم أسماء ألمانية خالصة. وفي قدرتنا النسج على هذا المنوال للحفاظ على عروبة لغتنا، أمام هذا الغزو الهائل من الألفاظ الأجنبية، وفي ذلك حياة للغة، وتجديد لشبابها.