وكم من أمم ودول زالت، ودُمِّرت، بسبب الاستبداد وترك السلطة بلا قيود، مما أغراها بالظلم، والطغيان، حتى حلَّ بسبب ذلك الدمار، وأدركها وعيد الله تعالى الذي توعّد به الظالمين، في آيات كثيرة في القرآن العظيم.

قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف:59]

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} [الفجر:6 - 14] (?)

ومن يقرأ تاريخ الأمم يلحظ بوضوح تلك النقطة البارزة التي كانت وراء الدمار الهائل الذي أصابها في كثير من الأحيان، أعني استبداد الدولة.

هذا .. ومن المعلوم أنَّ الإسلام قد جاء بتحصيل المنافع، والمصالح، منافع، ومصالح الناس في دينهم ودنياهم بحسب الاستطاعة، وإلغاء وتفويت المضار، والمفاسد في الدين، والدنيا، بحسب الاستطاعة، فلا يمكن أن يكون هناك شأن من الشئون، الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، في حال تفرُّدهم، واجتماعهم، وإلاّ ويأتي في الإسلام الأمر به، والحث عليه، ولهذا فقد سبق الفقه الإسلامي جميع النظم الوضعيّة في تقرير هذا المبدأ العظيم، مبدأ تقييد السلطة، ورقابة الشعب للدولة.

-----------

مشروعية وسائل الاحتجاج السلمي لتتغيير والإصلاح في الشريعة الإسلامية

ولهذا نجد جميع الآلات، والوسائل، التي تستخدمها النظم الحديثة لردع السلطة عن الظلم، وضمان تحقيقها العدل، والمصالح، أي ضمان عدم انحراف الدولة عن مقصودها الأساس، نجدها منصوصٌ عليها، أو مدلول عليها بالأدلة العامة، أو القواعد الكلية، أو القياس المضطرد الصحيح في الشريعة الإسلامية، وقد أخذ بها علماء الإسلام قبل النظم الوضعيّة بقرون.

غير أنَّ الفقه الإسلامي في نصوصه العامة، ومصادره الأصلية _ في عامّة القضايا المتعلقة بتنظيم الحياة المتغيرة، والمتطورة _ إنّما يوجّه نحو المعاني، والحقائق العامّة، ويحرّك عوامل التفكُّر، والتدبُّر، ويدع للإنسان التفريعَ على القواعد، حتى يمكن استيعاب المتغيّر.

ولهذا جاء في القواعد الفقهية: أنَّ الوسائل لها حكم المقاصد، ليتسنَّى للمسلمين الإستفادة من كلِّ وسيلة جديدة تحقق مقاصد دينهم، المنطوية كلُّها تحت هذا العنوان العظيم: جلب المصالح، ودرء المفاسد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015