يتحدث الله سبحانه عن نفسه في مقام الانتقام والتدمير إظهارا لغضبه ولجبروته في هذا المقام. فيقول:

«فَلَمَّا آسَفُونا» .. أي أغضبونا أشد الغضب .. «انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ» .. يعني فرعون وملأه وجنده.

وهم الذين غرقوا على إثر موسى وقومه وجعلهم الله سلفا يتبعه كل خلف ظالم «وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ» الذين يجيئون بعدهم، ويعرفون قصتهم، فيعتبرون.

وهكذا تلتقي هذه الحلقة من قصة موسى- عليه السّلام- بالحلقة المشابهة لها من قصة العرب في مواجهة رسولهم الكريم. فتثبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه وتحذر المشركين المعترضين، وتنذرهم مصيرا كمصير الأولين. [في ظلال القرآن 5/ 3193]

أيها الأحبة الكرام:

إن الذي لا يؤتمن على الدِّين لا يؤتمن على عرض ولا على مال ولا على دم ولا على حرمات، ولن يحقق لشعبه أية حقوق، بل ربما يكون أعتى وأشد ممن سبقه من الطغاة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ فِي الْخُطْبَةِ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ». [صحيح ابن حبان - مخرجا 1/ 422] (194) صحيح

فالحرية التي ينشدها الناس والعدالة ...... يستحيل أن تتحقق إلا في ظل الإسلام الذي جاء من عند الله تعالى، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]

إن المؤمن يقف أولاً: أمام إكمال هذا الدين يستعرض موكب الإيمان، وموكب الرسالات، وموكب الرسل، منذ فجر البشرية، ومنذ أول رسول- آدم عليه السلام- إلى هذه الرسالة الأخيرة. رسالة النبي الأمي إلى البشر أجمعين .. فماذا يرى؟ .. يرى هذا الموكب المتطاول المتواصل. موكب الهدى والنور. ويرى معالم الطريق، على طول الطريق. ولكنه يجد كل رسول- قبل خاتم النبيين- إنما أرسل لقومه. ويرى كل رسالة- قبل الرسالة الأخيرة- إنما جاءت لمرحلة من الزمان .. رسالة خاصة، لمجموعة خاصة، في بيئة خاصة .. ومن ثم كانت كل تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه متكيفة بهذه الظروف .. كلها تدعو إلى إله واحد- فهذا هو التوحيد- وكلها تدعو إلى عبودية واحدة لهذا الإله الواحد- فهذا هو الدين- وكلها تدعو إلى التلقي عن هذا الإله الواحد والطاعة لهذا الإله الواحد- فهذا هو الإسلام- ولكن لكل منها شريعة للحياة الواقعية تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف ..

حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر أرسل إلى الناس كافة، رسولاً خاتم النبيين برسالة «للإنسان» لا لمجموعة من الأناسي في بيئة خاصة، في زمان خاص، في ظروف خاصة .. رسالة تخاطب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015