النصرَ الرخيص لا يبقى؛ لأنَّ النصرَ السهلَ لا يعيش

هذه هي سنة الله القديمة، في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة، وليكونوا لها أهلا: أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم، لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة .. استحقوا نصر الله، لأنهم يومئذ أمناء على دين الله، مأمونون على ما ائتمنوا عليه، صالحون لصيانته والذود عنه.

واستحقوا الجنة لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة والرخاء. فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» ..

هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها، وإلى سنته - سبحانه - في تربية عباده المختارين، الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته.

وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم ..

وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة .. إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه. من الرسول الموصول بالله، والمؤمنين الذين آمنوا بالله. إن سؤالهم: «مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟» ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة. ولن تكون إلا محنة فوق الوصف، تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب، فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: «مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟» ..

وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة .. عندئذ تتم كلمة الله، ويجيء النصر من الله: «أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» ..

إنه مدخر لمن يستحقونه. ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية. الذين يثبتون على البأساء والضراء.

الذين يصمدون للزلزلة. الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة. الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله، وعندما يشاء الله. وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها، فهم يتطلعون فحسب إلى «نَصْرُ اللَّهِ»، لا إلى أي حل آخر، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله. ولا نصر إلا من عند الله.

بهذا يدخل المؤمنون الجنة، مستحقين لها، جديرين بها، بعد الجهاد والامتحان، والصبر والثبات، والتجرد لله وحده، والشعور به وحده، وإغفال كل ما سواه وكل من سواه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015