وقوله تعالى (?): (2: 190) {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ} المعنى فاقتصُّوا منه يخرج اللفظ كلفظ ما قبله كقول العرب الجزاء بالجزاء والأول ليس بجزاء. وتقول فعلت بفلان مثل ما فعل بي أي اقتصصتُ منه والأول بدأ ظالمًا والمُكافِئ إنما أخذ حقَّه فالفعلان متساويان والمخرجان متباينان إذ كان الأول ظالمًا والثاني إنما أخذ حقه. ومثله (42: 38) {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} والثانية ليست بسيِّئةٍ تُكتب على صاحبها ولكنها مثلها في المكروه لأن بالثاني يُقتصُّ. ومثله (2: 42) {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} وقال (80: 9) {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} وقال (8: 30) {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} لِما ذكرتُ من أوجُهِ الكلام وإنما مكرهم واستهزاؤهم وسُخرهم معصية لله تعالى وتوثبٌ على أوليائه، ومكر الله واستهزاؤه وسُخره عذاب لهم وتنكيل قال عمرو بن كلثوم (?):
ألا لا يجهلنْ أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لم يمتدح بأنه جاهل إنما قصد المكافأة والشرف في قوله: فوق جهل الجاهلينا. وقال الفرزدق:
أحلامنا تَزِنُ الجبال رَزانةً ... وتخالنا جِنًّا إذا لم نجهلِ (?)
[الصواب: إذا ما نجهل].
أي إذا جُهل علينا فكافأنا به لم نعجِزْ عن الجهل.
وأما قوله:
وأنزلني طولُ النوى (?) دار غربة ... إذا شثتُ صاحَبْتُ امرَأً لا أُشاكِلُهْ