ولو أصلح كل واحد نفسه، وقام بالواجب عليه نحو غيره من نصح وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وسائر ما أمر به الشارع، وحده من الحقوق، لم يكن ثمة خلل، لكن أكثر القوم يتخلون عن مسئوليتهم، ويستبدلون بها كلاما في النقد، يوزع على حملة المسئولية، من ولاة وعلماء وأصحاب شأن، وكأنهم المعنيون ب «مَنْ قَالَ هَلَكَ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» . إن الذين لا يعملون ولا يشعرون بوطأة العمل، وثقل المسئولية هم أجرأ الناس على النقد غير البصير، وهم أجرأ الخلق على إدانة غيرهم، وتبيان ما يظنون قصورا وعيبا فيهم، لأن المشغول بالعمل الجاد معني بإتقان عمله، وإصلاح نفسه، ودرء عيوبها، لا يشمت بمقصر، ولا يفتات على محسن، ولا يبهت بريئا؛ لأن له من دينه وشغله صارفا عن الاشتغال بغيره وذمه، ينظر إلى المحسنين فيدعو لهم بالتوفيق وأن يكون مثلهم، وينظر إلى المقصرين، فيدعو لهم بإقالة عثراتهم، وأن يعافيهم مما ابتلاهم به، في حين ينظر البطَّالون إلى المقصرين فيشمتون بهم، ويشيعون عنهم قالة السوء.
وقد أتم الإسلام هذه القيمة بأحكام تتعلق بالغيبة والبهتان، والحسد والضغينة والتحقير، فعالج هذه علاجا خلقيا، ليس هذا مقام بسطه.
قد يستغرب البعض إقحام المسئولية في مظاهر الوسطية، وليته يذكر ما تنادي به بعض الطوائف من تقسيم الخلق إلى أصحاب الحقيقة وأصحاب الشريعة، ومن إسقاط الواجبات الشرعية عن بعض، ومن تحمل بعض آخر المسئولية عن آخرين، ومن زعم البعض العصمة لمتبوعيهم.
ومن مظاهر الوسطية في مصادر العلم الشرعي غلو فئة حتى لا تقر بغير القرآن مصدرا، ويجرها ذلك إلى إنكار السنة، وعدم الانقياد لها، أو