ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد.
وقد نهى الله عن الغلو بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77] (المائدة: من الآية 77) . والغلو نوعان:
نوع يخرجه عن كونه مطيعا، كمن زاد في الصلاة ركعة أو صام الدهر مع أيام النهي أو رمى الجمرات بالصخرات الكبار التي يرمى بها في المنجنيق أو سعى بين الصفا والمروة عشرا أو نحو ذلك عمدا.
وغلو يخاف منه الانقطاع والاستحسار، كقيام الليل كله، وسرد الصيام الدهر أجمع بدون صوم أيام النهي، والجور على النفوس في العبادات والأوراد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ [هَذَا] الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» (?) يعني استعينوا على طاعة الله بالأعمال في هذه الأوقات الثلاثة، فإن المسافر يستعين على قطع مسافة السفر بالسير فيها.
وقال: «لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ [فَلْيَقْعُدْ] » (?) رواهما البخاري.