فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (?) .
ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن التشدد في العبادة ليس من سنته؛ فإذا كان التشدد في العبادة ليس من سنته، فمن باب أولى التشدد والمبالغة والغلو في الأمور الأخرى.
قال ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) رحمه الله: " قَوْلُهُ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» المراد بالسنة: الطريقة، لا التي تقابل الفرض. والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره.
والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.
وقوله: " فَلَيْسَ مِنِّي " إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى: " فَلَيْسَ مِنِّي " أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى: " فَلَيْسَ مِنِّي ": ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر.