الدنيا، إنما أمر بالتوسط، فالدنيا بلغة يتبلغ بها الإنسان للآخرة، يأخذ منها بما أحله الله سبحانه وتعالى، ويعيش فيها فيما أباحه الله سبحانه وتعالى، ويستعد بذلك للآخرة، قال الله تبارك وتعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77] (القصص: 77) .
وهذه الآية فيها دليل على أن ترك التوسط والاعتدال فساد في الأرض، ألا تراه يقول: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77] فإذا كان العمل في الدنيا وترك السعي للآخرة فسادا في الأرض، فمن باب أولى ترك أمور الصراط المستقيم - وعنوانها تمام صالح الأخلاق - فساد في الأرض.
(7) نهيه عن الغلو في النفقة بالمال، حيث يقول تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] (الفرقان: 67) ، وقوله تبارك وتعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] (الإسراء: 29) .
قال ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) رحمه الله: " والفرق بين الاقتصاد والتقصير أن الاقتصاد هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط.
وله طرفان هما ضدان له: تقصير ومجاوزة.