فنحن في حال نقل الأجهزة من الأول إلى الآخر نكون قد باشرنا قتل الأول لمعرفتنا أنه يموت برفع تلك الأجهزة عنه، وهذا قد يكون من قبيل المباشرة للقتل، وهو وإن لم يكن فيه قصاص فقد دريء القصاص للشبهة ولكن في ترك الأجهزة على الأول لا يكون هناك مباشرة لقتل المريض المتأخر فكان تركها على الأول أولى.
خامساً: أننا في حال ترك الأجهزة على المريض الأول لا يكون لنا فعل تجاه المريضين وفي حال نزعها عن الأول يكون لنا فعل، وهذا الفعل يقتضي رجحان أحدهما على الآخر ولا مرجح سوى المبادرة لإنقاذ حياة المتأخر على حساب حياة المتقدم وهل يجوز لنا قتل نفسٍ لإحياء نفسٍ أخرى.
سادساً: أن المريض الأول يقدم لسبقه، إذ لو لم يوجد مرجح لقلنا بالتخيير. يقول الغزالي في المستصفى 2/381: " وأما إذا تعارض الموجب والمحرم فيتولد منه التخيير المطلق كالولي إذا لم يجد من اللبن إلا ما يسد رمق أحد رضيعيه ولو قسم عليهما أو منعهما لماتا، ولو أطعم أحدهما مات الآخر، فإذا اشرنا إلى رضيع معين كان إطعامه واجباً؛ لأن فيه إحياءه وحراماً؛ لأن فيه هلاك غيره، فنقول هو مخير بين أن يطعم هذا فيهلك ذاك أو ذاك فيهلك هذا فلا سبيل إلا التخيير".
فانتفاع المريض الأول بالأجهزة التي وضعت عليه هو من قبيل ملك الانتفاع لا المنفعة فيكون أحق بها كقطاع الأرفاق كمقاعد الأسواق ونحوها (?) . وهذا يندرج تحت قولهم: الأصل بقاء ما كان على ما كان. قال الزركشي في المنثور 1/294: قاعدة في التزاحم على الحقوق "لا يقدم أحد على أحد إلا بمرجح، وله أسباب الأول: السبق"